الوقفات التدبرية

آية (٧٩) : (فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ...

آية (٧٩) : ﴿فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ﴾ * معظم الأنبياء قالوا ﴿أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي﴾ ما عدا سيدنا صالح قال ﴿أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي﴾ : في قصة صالح عليه السلام لم يقع بعد أمرهم بالعبادة غير تعريفهم بأمر الناقة وأمرهم برعيها وتذكيرهم بقوم هود فى قوله ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ(73)﴾ فقصروا سؤالهم وخصوه بصحة الرسالة ثم قالوا للملإ من المؤمنين ﴿إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ﴾ وقولهم ﴿يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ ، والكلام ليس عن الرسالة التي هي الشريعة والدين وإنما على المعجزة أن المقصود بالرسالة هو التحذير من قتل الناقة. في قصة شعيب عليه السلام لما ورد فى دعائه عليه السلام تفصيل فى الأمر والنهى والتحذير بعد أمرهم بتوحيد الله ﴿قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا﴾ ثم قال ﴿وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا﴾ وذكرهم بتكثيرهم بعد القلة وحال من تقدمهم ممن كذب فقال ﴿وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾ وورد عقب هذا من قول قومه له ﴿لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا﴾ وقولهم ﴿لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ﴾ فناسب ذلك الجمع فى قوله ﴿أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي﴾ . فى قصة نوح وهود عليهما السلام وردت ﴿أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي﴾ بالجمع ، - الوارد فى قصة نوح من قول قومه له ﴿قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ ولفظ الضلال ينسحب على مسميات شتى فكأنهم قالوا لا نعتمد قولك فى شئ ولا نعول عليه لأنك ذاهب فيه عن طريق الصواب والحق، فقد حصل إطناب وتفصيل فى المعنى ولطول المجاورة بينه وبين قومه ما قالوه له فى آخر مقالهم ﴿قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا﴾ فلهذا قال ﴿أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي﴾ فجمع فكأنه عليه السلام يقول : كل قضية أبلغتكم إياها فربى أرسلنى بها وكل منها رسالة أرسلت بها إليكم محفوظا فى ذلك بعصمة الله إياى منزها عما توهمتم من الضلال، ومثله ما جاء في وصف هود عليه السلام بالسفاهة.

ﵟ فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَٰكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ ﵞ سورة الأعراف - 79


Icon