الوقفات التدبرية

د.أحمد الكبيسى: قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ...

د.أحمد الكبيسى: قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴿62﴾ البقرة) في آية أخرى (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ ﴿69﴾ المائدة) كلكم تعرفون أن ﴿إن﴾ تنصب الأول وترفع الثاني ﴿إِنَّ الَّذِينَ﴾ الذين منصوبة ﴿وَالصَّابِئِينَ﴾ الواو حرف عطف، الصابئين منصوبة بالياء لأنه جمع مذكر سالم معطوف على إسم إنّ، هذا على النحو. ﴿إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ﴾ كيف؟ كأن أقول إن الطلاب والمعلمون! لا يصح! إن الطلاب والمعلمين كيف يأتي القرآن الكريم مرتين إن الطلاب والمعلمين وهذا صح على القاعدة وإن الطلاب والمعلمون قد حضروا كيف يعني؟ هكذا هي في القرآن الكريم، هي ثلاث آيات آية في الحج تلك آية البقرة ﴿وَالصَّابِئِينَ﴾ وفي آية المائدة ﴿وَالصَّابِئُونَ﴾ وفي آية الحج (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ﴿17﴾ الحج) أضاف المجوس ومعها والذين أشركوا طيب فهمنا اليهود والنصارى والمسلمين الذين آمنوا أصحاب كتاب لا ينكر أنهم أصحاب كتب سماوية ولم ينحرفوا إلى الوثنية بينما هناك فِرَق انحرفت في هذه الآيات لماذا قال الصابئين والمجوس ومرة قال صابئون ومرة قال مجوس؟ هذه الآيات الثلاث تتكلم عن حسن الخاتمة وحسن الخاتمة نظام رباني (ومنكم من يعمل بعمل أهل النار حتى لا يبقى بينه وبين النار إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخل الجنة) ولو قبل الموت بساعة بدقائق قبل أن يغرغر يقول لا إله إلا الله محمداً رسول الله انتهى نجا ﴿فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ هذه قاعدة ربانية لا تختلف، كل مسيء إذا أحسن قبل الموت فقد نجا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (الأعمال بخواتيمها) وكما قال (إنما يبعث المرء على ما ختم عليه) هذه قضية ثانية. إذاً رب العالمين في هذه الثلاث آيات يعطينا عدة أنظمة. هناك مسميات كالذين آمنوا والذين هادوا والنصارى ثلاثة هؤلاء من صنف هؤلاء يتبعون أنبياء معروفين مشهورين وهؤلاء كلٌ آمن بنبيه على اختلافٍ بينهم في بعض القضايا ولكنهم يبعثون على أنهم من أتباع رسولٍ محددٍ معين ولا يبعثون مع الذين هم تركوا نبيهم إلى تحريفٍ أو تخريفٍ آخر كاملاً، هذا واحد إذاً هناك ناس من أمم الرسل، هذا واحد. هناك ناس كانوا من أمم الرسل ولكنهم تركوا جزءاً أو كلاً حتى انزلقوا إلى الوثنية لكنهم في البداية كانوا يتبعون رسولاً صحيحاً نبياً صحيحاً حقيقياً كالصابئة وسنتكلم عنهم بعد قليل. هؤلاء ناس من أتباع الأنبياء ولكن في الأخير صار عندهم شيء من الخلل وأصبحوا بين اليهود والنصارى لا هم يهود ولا هم نصارى يعني صار تحريفهم كبيراً هؤلاء صنف لكنه محسوب مع الذين يؤمنون بأنبياء حقيقيين ولو أنهم ابتعدوا عنهم. وهناك ناس لا، مشركون لا يؤمنون بنبيٍ، لا قبل هذا في ناس يؤمنون بنبي ولكن ليس نبياً حقيقياً هو نبيٌ متنبئ يدعي النبوة وهو ليس نبياً وهم المجوس هذا صنف ثالث الصنف الرابع المشركون والوثنيون. رب العالمين عز وجل من رحمته شمل هؤلاء جميعاً بأن كل واحد منهم يتوب قبل الموت فإنه ناجٍ ﴿إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾ إذا آمن وعمل صالحاً انتهى. طبعاً هو جمع الذين آمنوا يعني المسلمون واليهود والنصارى والصابئين والصابئون هؤلاء من أتباع الأنبياء ولو أن الصابئين تغيروا قليلاً إلى حدٍ ما أكثر من الجميع لماذا رب العالمين رفعها؟ رفعها كما يقول أحد المفسرين طاهر بن عاشور رضي الله تعالى عنه وهو مفسر عظيم يقول عن صابئون لأنهم فعلاً ربما لما نزل قوله تعالى ﴿إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ﴾ ناس قالوا صابئين؟ كيف تجعلون الصابئين مع الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى هؤلاء ثلاثة من الأديان الرئيسية وهؤلاء رسل حقيقيون والخ؟ هؤلاء الصابئة تغيروا راحوا اندثروا، الله قال والصابئون كذلك فالصابئون مبتدأ وخبرها محذوف تقديره كذلك. إذاً معنى الصابئون لكي يلفت النظر إلى أن من أنكر على أن يكون الصابئون مع الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى رب العالمين قال لك لأ هو معهم كذلك فلا ينبغي أن تعجب (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِونَ) كذلك هذا جوابٌ لمن عنده اعتراض على الصابئين قال لك هؤلاء في يوم من الأيام كانوا أبتاع نبي وهم موحدون وعندهم خرافات ووثنيات طبعاً الصابئون ليسوا نوعاً واحداً حقيقة هم عدة أنواع وأفضلهم الصابئة المندائيون هؤلاء يصلون ويصومون وعندهم نبي ولكن عندهم بعض الأشياء انحرفوا إليها كالتعميد في الماء وما شابه يعني ابتعدوا عن سمت الديانات السماوية. أما الحرانيون اللي هم وثنيون تماماً انقرضوا المندائيون صاروا في العراق مكانهم في الفرات ولا يزالون حوالي مائة ألف واحد - كما يقول بعض المحققين - توسعوا بعد هذه الأحداث الأخيرة في العراق والحروب وهذا الاحتلال الخ منهم من ذهب إلى الكويت ومنهم من ذهب إلى سوريا وقسم منهم إلى استراليا وفتحوا لهم مراكز وهم غامضون يوحدون الله سبحانه وتعالى يغتسلون من الجنابة يتوضأون يصومون يصلون على طريقتهم الخاصة عندهم الصلوات سبع مرات يعني لكنهم محسوبون على نبيٍ حقيقي هؤلاء جانب واحد، أصحاب الأديان ثم الله قال ﴿وَالْمَجُوسَ﴾ أيضاً ولو أن نبيهم غير صحيح فهو متنبئ كذاب لكنهم يؤمنون بأن هناك أنبياء. كونه يؤمن بأن هذا نبي إذاً معناه أنه هو عنده فكرة عن الأنبياء وعنده فكرة أن الله يرسل الأنبياء فهو يعلم أن الله سبحانه وتعالى يرسل أنبياء. فواحد ادّعى النبوة كما ادّعى مسيلمة ولو شاء الله سبحانه وتعالى أن ينجح مسيلمة لكان عندنا الآن فرقة كبيرة اسمهم المسيلميون يدّعون أن مسيلمة هو النبي إذاً هم يؤمنون بأن هناك نبوة ورب العالمين يقول كما قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة (أخرجوا من النار من كان في قلبه ذرة من إيمان) واحد يعلم أن الله موجود، إله كما هم الصابئة موحدون يعلمون بأن الله واحدٌ لا إله إلا هو ولكن ناس قالوا هذا عنه وناس قالوا كذا فهؤلاء المندائيون يعني أقرب الناس إلى أصحاب الأديان فهم لا يهود ولا نصارى ولكنهم يصلون ويؤدون الزكاة يتصدقون يؤمنون بالطهر لازم تكون دائماً طاهر بيتك طاهر ولهذا يستحمون في الماء إلى حد أن بعضهم عبد الماء. كلمة صابئة مأخوذ من لغتهم المندائية تعني الانغماس بالماء أو التعميد أو الاغتسال أو التطهير وكلها ممكن استعمالها ولهذا هم كما أن النصارى يعمدون فهم يعمدون أيضاً، لهذا قال سيدنا علي كرم الله وجه عن المجوس (سنوا بهم سنة أهل الكتاب). الشيخ الشعراوي رحمة الله عليه عنده التفاتة حلوة قال (العرب أصحاب أذن حساسة في اللغة) يعني كثيراً ما يقرأ من الصحابة واحد موجود من البدو من الأعراب يقول لك الله ما يقول هذا الكلام؟ فالإذن حساسة في اللغة كالشعراء يعرف الزحاف متى يكون؟ إذا واحد قرأ بيت أي زحاف يقول له هذا غير موزون. ولهذا رب العالمين سبحانه وتعالى كما يقول لك واحد كان جالساً عند المنصور لما ولي الحكم واحد إعرابي جالس والمنصور يخطب وهو أمير المؤمنين وحكم العالم فأخطأ قال له أنت أخطأت رجع وعاد الكلام بعد ساعة أخطأ قال له ما هذا؟ أخطأ باللغة وبعد قليل أخطأ قام هذا الإعرابي وقال (والله أعلم أنك وليت الأمة بالقضاء والقدر) يعني أنت لا تستحق الحكم لكن قضاء وقدر أتى بك ولا واحد أمير عربي يغلط ثلاث مرات هكذا فرب العالمين نزل القرآن العرب وهو معجزتهم فرب العالمين لما قال ﴿إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ﴾ ساكتين ولكن لما قال ﴿وَالصَّابِئُونَ﴾ كلهم انتبهوا. إذاً الصابئون أداؤه سبب من أسباب شدة انتباه المسلمين أيها العرب المسلمون انتبهوا إلى هذه الكلمة الصابئون مقصودة لنفسها ولذاتها عليكم أن تدرسوها دراسة مستقلة فالصابئون إذاً مرفوعة على أساس لفت الانتظار كما واحد يدق جرس أو يدق طاولة حتى الناس ينتبهون فالقرآن دق الحروف فلما قال ﴿وَالصَّابِئُونَ﴾ كلٌ فز شو الصابئون؟ يعني انتبهوا وأعربوها كما تشاءون ولكن انتبهوا إلى أن الصابئين لهم وضعٌ خاص. سؤال: لكن سيدي الفاضل إذا كانت القضية قضية حسٌ لغوي وهذا الحس اللغوي منذ القرون العباسية بدأ يخفت فلم ننتبه إلى سر هذا العلو سور هذا الرفع في هذه الكلمة في قرونٍ متأخرة ولم نعاملهم معاملة أهل الكتاب في بعض الأحيان؟ نحن الآن في عصر العجمة اللغة العربية لغة الآن لا يعرفها إلا القلة من الناس البارعون فيها. سؤال: لذلك كثيراً مما ورد في هذه الآية والتي تشير إلى أن يعاملوا معاملة أهل الكتاب فيخيرون بين الإسلام والجزية وفي حالة مقاتلتهم إيانا القتال فقط؟ كما قال عن المجوس في الأثر (سنوا بسنة أهل الكتاب) الإسلام يريد أن يدفع القتل وسواء كان حدود أو قطع يد أو رجم أو جلد أو قصاص بكل الوسائل فمن ضمنها كما تفضلت "سنوا بهؤلاء المجوس سنة أهل الكتاب" لماذا؟ هم يقولون عندنا نبي يعني معناه أنه يعرف أن هناك رب وأنبياء ورسل لأدنى شيء في الأثر قال سواء كان حديثاً أو قول سيدنا علي حينئذٍ نقول الفكرة العامة حسن الخاتمة حتى في الدنيا هذا مبدأ في تطور فما الفرق بين أمة متخلفة وأمة متقدمة؟ الشيخ محمد بن راشد له كلمة جميلة في كتابه القيم "رؤيتي" أعتقد في الفصل الثالث في الجزء الثاني يقول (ليس المطلوب أن نتمرد على الماضي يعني فقط ليس المفروض أن نخرج من الماضي إلى المستقبل إنما المطلوب أن لا نبقى نعيش في الماضي) يعني أنت قد تعيش في عقلية الماضي في عقلية التفكير الماضي بأساليبه بحكمه بعمرانه صحيح أنك في القرن الواحد والعشرين لكن أنت تعيش القرن الأول أنت تحررت من الماضي لكن ما زلت أنت ساكن فيه وعايش فيه. هذا معناه أنت لما تكون مسلم كهذه الآية ﴿مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ أنت سواء كنت يهودياً مجوسياً صابئياً كل شيء حتى مشرك وثني تركت هذا وآمنت هذا صحيح أنت تركت الماضي وصرت في المستقبل، إياك أن تبقى عايش في الماضي وأنت في المستقبل. يعني على واقعنا الحالي هناك إنسان ترك الخمر ولكن كل ما يشوف الخمر يتذكر ويتمنى وبشكل رومانسي وهذا النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء وحرم الإسلام الخمر منع أحد أن يستعمل أواني الخمر لأنه يحن لها كما قال الشيخ محمد هو لسه عايش في الماضي ولو أنه تركه، لماذا الإسلام حرّم التماثيل لأن الناس لسه يعرفون الأصنام كان يعبدونها لا يكون يحن حينئذٍ هذه قاعدة عامة في الحياة في القيادة في الشغل في العمل في التطور في البناء في الاختراع في الأفكار إياك أن تترك الماضي للمستقبل ولكنك لسه أنت عايش فيه، حرِّر نفسك من البقاء في الماضي وليس من الماضي وحده كل الناس تتحرر من الماضي وكل الناس تدعي التقدم تحررنا من الماضي ولكننا لسه عايشين فيه حرر قلبك من أن تعيش في الماضي وليس التحرر من الماضي وحده.

ﵟ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَىٰ وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﵞ سورة الحج - 17


Icon