الوقفات التدبرية

* ما القيمة الفنية لقوله تعالى (ولكم في القصاص حياة)؟ هذه فيها...

* ما القيمة الفنية لقوله تعالى ﴿ولكم في القصاص حياة﴾؟ هذه فيها مقالات طويلة حتى كتب مصطفى صادق الرافعي "كلمة مؤمنة في الرد على كلمة كافرة" بعضهم قال العرب تقول: القتل أفنى للقتل، فكتب في الفرق العظيم بين قولهم القتل أفنى من القتل التي فيها دماء وبين قوله تعالى ﴿ولكم في القصاص حياة﴾ التي فيها حياة وتلك فيها دماء. والسيوطي ذكر عشرين فرقاً في كتابه المزهر في اللغة والرافعي زاد عليه. الآية بتمامها (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179) البقرة). كلمة القِصاص مأخوذة من فعل قصّ يقصّ. في الأصل القص هو القطع، أوالقص تتبّع الأثر تحديداً، الأثر الذي قد يكون خطاً ومنه قصّ الثوب لأن الثياب لم تكن تُقصّ إلا بعد أن يوضع عليها خط أين يقص.الذي يقص بالمقص هو يتتبع أثراً. القِصاص من قصّ يقص قِصاصاً ومقاصّة. القِصاص لكم فيه حياة. أي حياة للمجتمع. وكلمة ﴿حياة﴾ جاءت نكِرة فأخّرها على سُنّة العرب في كلامها. (لكم في القصاص حياة) الإسلام يريد مجتمعاً هانئاً، آمناً فذكر القِصاص. أما مقولة (القتل أنفى للقتل) هذه كلمة، مقولة عربية يوازنوها أحياناً بـ ﴿ولكم في القصاص حياة﴾ ويبينون معايب هذه الكلمة التي تبدو لأول وهلة جميلة (القتل أنفى للقتل) ولكن عندما ندقق في الآية نجد سمو التعبير ﴿ولكم في القصاص حياة﴾. أما (القتل أنفى للقتل) يقول بعضهم أنها كلمة جاهلية وحتى لو كانت جاهلية تحمل رائحة الدم وليس فيها رائحة بناء المجتمع. أما كلمة ﴿القصاص حياة﴾ كلمة موجزة. القصاص فيه حياة للمجتمع. القصاص لم يحدد القتل وإنما هو عدالة. لما تقول قصاص أي أنت تتتبّع الذي فعله المخالِف تقصّ فعله حتى تعاقبه بمثل فعله، اختصرت بكلمة قصاص مهما كان الشخص الذي قتل حاكماً أو سيداً في قومه فيقتل وحده . بعد ذلك رُخِّص للمسلمين بقبول المقابل أو العدل. أما الدية فهي مقابل القتل. بينما القتل أنفى للقتل هذه مقولة تتكلم فقط عن القتل وما ذكرت بقية الأحوال التي يصار بها في المجتمع بينما القصاص شامل ذكر كل هذه الأشياء، فضلاً عن أن كلمة القتل أنفى للقتل كما يقول علماؤنا خطأ لأنه ليس دائماً القتل ينفي القتل ففي بعض الأحيان القتل يجلب قتلاً (قتل الظلم، قتل التعدّي) كما يقولون (ومن يظلم الناس يُظلَم) وليس هكذا مفهوم الإسلام. ثم كلمة ﴿حياة﴾ نكرة والنكرة لها في كل موضع معنى. في هذه الآية ﴿ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب﴾ حياة نبيلة، عظيمة، قيمة لما نسمع السياق تعطي معنى الحياة السعيدة الهانئة، حياة صِفوها بما شئتم من أوصاف الخير.

ﵟ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﵞ سورة البقرة - 179


Icon