الوقفات التدبرية

*ما الفرق بين(وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ﴿191﴾...

*ما الفرق بين(وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ﴿191﴾ البقرة)و(وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ﴿217﴾ البقرة) قال تعالى:(وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ﴿191﴾ البقرة) وفي آية أخرى (وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ﴿217﴾ البقرة). كلنا نعرف أن القتل من الجرائم العظيمة والأحاديث في ذلك مخيفة جداً (أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة الدماء). إذاً هذا القتل تصور لو أن رجلاً كما وقع في التاريخ المعاصر لو أن رجلاً قتل مدينة كاملة فيها ملايين كما هو في هيروشيما وناكازاكي والخ والبقية تأتي. كيف يمكن أن تتخيل عقابه يوم القيامة؟ لا بد أن يكون عقابه كبيراً من حيث الكمّ وشديداً من حيث الكيف. هذا الفرق بين (وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ﴿217﴾ البقرة) هذا حجماً (وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ﴿191﴾ البقرة) يعني كيفاً أنت قد تعذب واحد بالضرب مليون سنة هذا كبير ولكنه ليس شديداً وقد تعذبه مليون سنة بالخوازيق والنار والأفاعي والعقارب وأنواع الحريق الخ هذا شدة. إذاً بقدر ما أن القتل سواء كان لفردٍ واحد ﴿مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا﴾ بحيث لو اجتمعت مدينة كاملة على قتل رجلٌ واحد لكان ينبغي أن يقتل رجال هذه المدينة بالكامل من كل من اشترك في قتله. تأمل هذا، تأمل هذه الأحاديث الواردة في هذا الباب أنه لو اجتمع عليه أهل السموات والأرض لو اجتمع على قتل رجل بغير حق قتل إنسان اجتمعت السموات والأرض كلهم ومن فيهن لأكبهم الله في النار من أجل قتل واحد هذا القتل يهون إلى جانب الفتنة. والفتنة لكي نكون واضحين في المعنى عندنا بلاء وعندنا فتنة هذان الأسلوبان من أساليب تمحيص الإيمان (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ ﴿31﴾ محمد) (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ ﴿2﴾ العنكبوت) إذاً امتحان الإيمان إما ببلاء تكرهه نفسك وإما بفتنة تحبها نفسك. قد يمحص إيمانك بما تكرهه مرض، سرطان، ظلم، عمى، يعني أنواع الأشياء المكروهة فقر شديد كل هذا ابتلاء لكي الله رب العالمين يعلمك تشكر وتصبر أو تكفر. وهذا دأبنا جميعاً كلنا نصاب ببلاء تكرهه أنفسنا من فقر أو مرضٍ أو سجنٍ أو ما شاكل ذلك منا من يصبر صبراً مطلقاً ومنا نسبياً ومنا من لا يصبر يجزع. هذا عن البلاء فيما تكرهه نفسك أما الفتنة فيما تحبه نفسك في النِعم كنت فقيراً فصرت غنياً جداً هل ستستعمل هذه النعمة في شكر الله في الصالحات تعين الناس؟ أم سوف يدعوك هذا إلى التكبر والطغيان والجبروت؟ الحُكم صرت ملكاً أو أميراً أو شيخاً أو رئيس جمهورية أو ما شاكل ذلك بعد أن كنت مغموراً هل هذه النعمة التي أنعم الله بها عليك ستستعملها في طاعته بالعدل والرحمة والشفقة وإحقاق الحق أو لا بالقتل والظلم والتعذيب في السجون وما إلى ذلك؟ العلم، الأولاد (أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ ﴿14﴾ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ﴿15﴾ القلم) إذاً هكذا الفرق بين الفتنة والبلاء أن البلاء فيما تكرهه نفسك والفتنة فيما تحبه نفسك وفي كلا الحالتين أنت ممتحن. بل أن النعم أحياناً أقسى من النقمة أحياناً تصبر على البلاء سجنت وعذبت وضربت وافتقرت صبرت ولكن عندما أصابتك النعمة لم تصبر طغيت صار عندك مال ونفوذ وحكم وهذا العصر هكذا نشهد كل هؤلاء الناس هناك طبقات من الناس تكافح حاكماً ظالماً، أحزاب وجماعات يسجنون تقطع أوصالهم بالتعذيب الذي فاحت روائحه يصبرون يخرجون من السجن أبطالاً وقد صبروا على أنواع التعذيب اللامحدود ثم قفزوا إلى الحكم وإذا بهم أسوأ من ذلك الظالم ألف مليون مرة. يعني لما أصابهم البلاء صبروا ولما أصابتهم النعمة لم يصبروا أشبعوا الناس ظلماً وقهراً وسرقات وفساد كما يحث في بعض دول العالم الآن. هذا الفرق إذاً بين الفتنة وبين البلاء. كيف الفتنة أكبر من القتل؟الفتنة أكبر من من القتل بكثير لأنها تمتد قروناً من العداوة والبغضاء مثل الأوس والخزرج دامت الحرب بينهما 120 عاماً فلما جاء الإسلام وحّد بينهم (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴿63﴾ الأنفال) إذاً قد يصطلحان بعد حرب دامت قرناً. حينئذٍ الفتنة أكثر من هذا تدوم قروناً طويلة لأنك أنت عملت فتنة لم تعمل قتلاً فالقتل يزول والفتنة لا تزول.

ﵟ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ ۚ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ۚ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ ۖ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ ۗ كَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ ﵞ سورة البقرة - 191

ﵟ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ ۖ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ۖ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ ۚ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ۗ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ۚ وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﵞ سورة البقرة - 217


Icon