الوقفات التدبرية

* قال تعالى (رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي...

* قال تعالى ﴿رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً﴾ ما هي حسنة الدنيا وحسنة الآخرة؟لم كانت هذه الآية من أحب الدعاء لقلب النبي ؟ لا شك هي من الآيات الجامعة ونحن نقرأها قبل السلام في الصلاة ثم . والواقع أن الاجابة سريعة أن نقول كلمة حسنة جاءت نكرة في الموضعين. وهي في الحقيقة وصف لموصوف محذوف، هذا الموصوف المحذوف على إطلاقه: بما يفكر به الانسان ، هذه الحسنة لنقل مثلاً آتنا في الدنيا عطايا حسنة والعطايا بتفاصيلها وفي الآخرة عطايا حسنة أيضاً بتفاصيلها فحذف الموصوف وأبقى الصفة. وكونها منكرة حتى تشير الى العموم الغالب يعني شيء عام, وهناك شيء بالنسبة لهذه الآية: فالآيات من سورة البقرة كلام على الحج ونحن في موسم الحج.والله سبحانه وتعالى من رحمته بهذا الانسان أن يرشده دائماً إلى الخير.. موسم الحج فرصة للتوجه إلى الله عز وجل بالدعاء ، فرصة للمسلم حقيقة، فرصة للحاج أن يدعو فالآيات ماذا تقول لنا؟ بعد أن قال تعالى (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199)) توجيه ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا﴾ لأنه كانت العرب بعد موسم الحج يأتون الى الأسواق الأدبية ويتفاخرون ويذكرون آباءهم حتى صاروا يتفاخرون بالقتلى يعني مفاخرة. ﴿أو أشد ذكرا﴾ دائماً المسلم ينبغي أن يكون ذاكراً لله سبحانه وتعالى وذكر الله يستتبع ذكر الآخرة وما فيها من نعيم ومن شقاء حقيقة. ولما بدأ يتحدث عن الذكر في موسم الحج ويدعو ﴿ربنا آتنا في الدنيا﴾ ما قال آتنا ماذا؟ إما لتهوين شأنه أو لأنه عظيم عندهم يريدون كل شيء يريدون في الدنيا وانظر حتى في دعائهم ما وصفوا هذا المأتي به بأنه حسن، يريد أي شيء في الدنيا وهذه سِمة لا يحبها الله عز وجل لعباده فكيف أدّبهم؟ ماذا قال لهم؟ ﴿وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ﴾ والخلاق هو النصيب لكن لِمَ لم يقل نصيب؟ نحن إلى الآن نستعمل الخَلَق والخلقات أي الشيء البالي يعني حتى هذا النصيب البالي ليس لهم في الآخرة. هم لا يفكرون بالآخرة فالله عز وجل لا يريد لعباده الصالحين أن يكونوا كهؤلاء ويريد منهم أن يذكروه وأن يفكروا في الآخرة لأن هذه الحياة حقيقة مهما طالت هي كحلم رائي كما في الأثر: الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا. لاحظ الانسان في لحظة موته كأنه استيقظ من منام وكان يرى حلماً كل هذه السنوات. وهذا واقع بالنسبة لنا جميعاً عندما ننظر في السنوات عمرنا التي مرّت نراها كشريط نائم. فالله تعالى يريد لعباده أن يذكروه ويتذكروا الآخرة دائماً أنت مصيرك الى الآخرة. ومن الناس من يقول ﴿ربنا آتنا في الدنيا حسنة﴾ يعني كونوا كهؤلاء نفس العبارة هنا في هذا ذكرالوصف للموصوف المحذوف يعني هم يريدون في الدنيا لكن بالوصف الحسن وليس كأولئك ولم يقفوا عند هذا وإنما قالوا ﴿وفي الآخرة حسنة﴾ أيضاً بكل ما يتصور من العطايا الموضوفة بأنها حسنة في الآخرة ثم زاد عليهم في دعائهم وهذا تدريب ودعاء أن ادعوا هكذا ﴿وقنا عذاب النار﴾ الانسان لا ينبغي أن ينسى أن هناك ناراً وعمر رضي الله عنه يقول لجلسائه: يا فلان عِظنا، قال: يا أمير المؤمنين تزفر النار زفرة يوم القيامة (هذا الزفير النفخ) فلا يبقى ملك ولا شهيد ولا نبي ولا صالح إلا ويجثو على ركبتيه ولو كان لك عمل سبعين نبياً ما ظننتَ أنك ناج منها. يعني هذه الزفرة مخيفة من بعد ذلك وحتى عندما ينجي الله الذين اتقوا يحسّون بهذه اللذة لذة النجاة من هذه النار. *هل هناك علاقة بين الأحرف في الكلمتين الحُسن والحسنة؟ من غير شك الثلاثي أو الحروف لما تكون هي هي لا بد أن يكون هناك ترابط فالحُسن والحَسَن والمحاسن وكل ما يُشتق منها لا بد أن يكون هناك الجذر أو الأصل ملموحاً فيها. أنت لما تقول: هذا شيء حسن يعني فيه حسن، هذا إنسان محسِن يعني فيه من الحسن أيضاً ، هذا شخص محسَن إليه. دائماً هذه مسألة من بديهيات اللغة في الحقيقة لكن أحياناً لما نأتي الى فعل أتى ﴿أتي﴾ والفعل عطى (عطو) نجد أن العين والطاء والواو أقوى من الهمزة والتاء والياء فمعناه أن العطاء أو الإعطاء فيه نوع من القوة وليس فيه هذا اللين والرقة والإتيان فيه لين ورقّة والمعنى واحد. أتى وأعطى معنى متقارب معجمياً لكن ليس مترادفاً . هذه السمة سِمة اللين والرقة في أتى وسِمة القوة في أعطى لذلك كثريون من أهل اللغة قالوا أن الإعطاء فيه تمليك والإيتاء ليس شرطاً أن يكون فيه تمليك.

ﵟ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﵞ سورة البقرة - 201


Icon