الوقفات التدبرية

فى إجابة للدكتور أحمد الكبيسى عن الفرق بين قوله تعالى...

فى إجابة للدكتور أحمد الكبيسى عن الفرق بين قوله تعالى (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا ﴿8﴾ العنكبوت) هذه كلمة (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا﴿15﴾ الأحقاف) هذه اثنتان ثم (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ ﴿14﴾ لقمان) بدون لا حسن ولا إحسان؟ لاحظ قبل كل شيء الله ما قال وصينا المؤمنين بل وصينا الإنسان عموماً. يريد الله عز وجل أن يقول أن هذا علاقة الأبناء بالآباء وعلاقة الآباء بالأبناء هي من خصائص هذا الإنسان لا تجد هذه العلاقة بين كل الأحياء الأخرى، الحيوانات نعم هناك أمٌ تعرف أطفالها ولكن الأب لا يهتم من هو ابنه والابن لا يهتم من هو أبوه بل أن الابن لا يهتم من هي أمه وحينئذٍ الأم فقط في المخلوقات الحية هي التي تهتم بأطفالها إلى حين. من أجل هذا هذا من خصائص الإنسان إحترام الأبوين وتقديرهما وتقديسهما وحسن التعامل معهما هذا من خصائص الإنسان لأن الله تعالى وصاه بذلك، رب العالمين هو الذي غرس في هذا الإنسان من جملة عناصر أنسنته عندما خرج من المملكة الحيوانية فوهبه الله سبحانه وتعالى العلم (وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا﴿31﴾ البقرة) (فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا ﴿12﴾ التحريم) وحينئذٍ تأنسن الحيوان وحينئذٍ من عناصر أنسنة هذا المخلوق هو أن يكون باراً بوالديه (ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ ﴿14﴾ المؤمنون). ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا﴾ أي العطاء أن تطعمه وأن تسقيه وأن تقدم حاجاته أن تقدم له حاجاته ما يحتاجه من مأكلٍ ومطعمٍ وملبس هذا الإحسان. وفي الآية ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا﴾ هذا لا يكون بالعطاء وإنما بحسن التعامل، كيف تحترمه؟ أنت قد تعطي أباك لكنك تشتمه ولا تحترمه أو تتكلم معه بدون احترام هذا أنت أعطيته أنت بريّت به وهذا الفرق بين الحسن والبر. البِرّ أن تعطيها ما تحتاجه وأن تعطي أباك ما يحتاجه، الإحسان أن تعطيه بشكلٍ جيد هذا الفرق بين البر والإحسان. البِرّ أن توفر له حاجاته لكن قد تقدمها بشكل غير لائق فيها شيء من الغلظة أو الخشونة وقد تشتم أباك وقد تزدريه من كِبَره أو تزدري أمك لكن الإحسان أن تعطي هذين الأبوين هذا البر بشكل في غاية الدقة والأناقة والجمال من حيث أنك تكون خادماً لهما وتقريباً وبلا مبالغة ولا مباهاة 99% من هذه الأمة يتعاملون مع آبائهم وأمهاتهم عند العطاء بهذا الخضوع والذل. وهذا الذل من أعظم أنواع العز (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ ﴿24﴾ الإسراء) هذا الذل هو من أعظم أنواع العز في الأرض. ولهذا ملوك الأرض والذين فتحوا البلدان والذين قاموا بأنواع من الحضارات والتحضّر أمام والديه كالعبد هذا الذل العبقري الذي هو أعلى قيمة الإنسان العظيم العزيز. هذا الإحسان، فحينئذٍ كلمة الإحسان ما يتعلق بالعطاء توفر له حاجاته لكن ليس فقط مجرد بِرّ وإنما تقدم هذا العطاء لهما بشكل لائق يدل على احترامك لهما وعلى عدم المِنّة أن لا تمنّ عليهما كأن تقول أنا أعطيتك وجئت لك الخ لا إطلاقاً وحينئذٍ وصاك الله بهما حسناً أي كيف تتكلم معهما؟ إذا جاء أبوك أو جاءت أمك تقوم بوجههما وإذا تكلمت معهما تكون في غاية الخضوع يعني إنتبه إلى الحديث المتفق على صحته عن الثلاثة الذين أغلق عليهم الغار مسافرون ثلاثة ودخلوا غاراً عندما جاءت عاصفة فالعاصفة جاءت بحجر ثقيل فأغلقت باب الغار ولم يستطع أحدٌ منهم أن يزحزح هذا الحجر ونفذ ما معهم من ماءٍ وطعام وأوشكوا على الهلاك فتح لله على أحدهم وقال يا جماعة تعالوا نتوسل إلى الله عز وجل بأحسن عملٍ عملناه في حياتنا وكل واحد جاء بعمل الثالث قال يا ربي أنت تعرف أن لي أم وأب وصارا كبيرين وأنا عندما أعود من العمل والعمل كان بين الإبل وبين الغنم يعني كان صاحب إبلٍ وغنم كنت آتي لهما باللبن لكي يتعشيا لكي يناما وكنت لا أعشي أطفالي إلا بعد أن أعشي والدي-وطبعاً نحن نتكلم بالمعنى وليس بلغة الحديث- لا يعشي أولاده إلا بعد أن تشرب الأم والأب هذا اللبن ثم يناما ثم يذهب ويوقظ أطفاله حتى يعشيهم، يوم من الأيام جاء وقد وجد أبويه نائمين وهو يحمل لهم غبوقهما يعني كأسين من اللبن فلما وجد الأبوين نائمين بقي يحمل هذين القدحين إلى أن استيقظا عند الفجر وهو يحمل هذين القدحين وهو واقف أمام رأسيهما وأولاده جائعون ولم يعشهم إلا بعد أن استيقظ الأبوان فقدم لهما هذا العشاء البسيط وهذا هو عشاؤهما كل يوم لا يشربان غيره وبكل أدب بكل خدمة سقاهما كما تسقي الأم المرضعة طفلها ثم عاد بعد أن صليا وعادا وذهب وأيقظ أطفاله لكي يعشيهم، هذا ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا﴾ كيف تتعامل (فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ ﴿23﴾ الإسراء) ولا أفّ هذا من الحسن وليس من الإحسان. فالإحسان هو العطاء عشاء وغداء ولباس الخ هذا من الحسن (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ﴿15﴾ لقمان) حينئذٍ كل تصرفاتك أبداً أنت عبدٌ عندهما وكلما ازدادت عبوديتك لهما ازدادت عبوديتك لله عز وجل وكنت عبداً صالحاً عند الله سبحانه وتعالى. لأن رضى الله عز وجل من رضاهما لا يرضى الله عنك إلا إذا رضي عنك أبواك. فكلما أمعنت في الخدمة والذل لهما وخفضت لهما جناح الذل إذاً هذا هو الفرق بين الإحسان العطاء سواء كان إذا كان مجرد عطاء يسمى بِرّاً إذا كان عطاء مع هذا الاحترام والإجلال والتقديس والتكريم يسمى إحساناً إذا كان بكل يومك يعني عندما تتحدث معه بأدب تجلس بين يديه بأدب عندما يقوم تقوم عندما تستقبله تنهض للقائه إذا ناداك تقول له لبيك، بهذه العبودية التي جعلها الله جائزة للأبوين أنت قدمت لهما حُسناً هذا الفرق بين ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا﴾ وهو طعام وشراب وبين ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا﴾ وهو تعامل رقيق وأنيق في غاية الذل لهما. الآية التي تقول ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ﴾ وسكتت هذا يعني الاثنين، رب العالمين أجمل هذه الحالة وهذه الحالة أجملها بآية واحدة وقال ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ﴾ لماذا؟ قال (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ ﴿14﴾ لقمان) لم يذكر فضائل الأب لأن فضائل الأب أنت تدركها وأنت كبير أبوك يبدأ دوره معك عندما تميّز قبل هذا أنت عند أمك شقاؤها وسهرها وتعبها وحملها أنت لا تدركه لم تره ولهذا ربما تذهل عن أفضال أمك عليك وأنت لا تذهل عن أفضال أبيك ولهذا رب العالمين يقتصر على فضائل الأم على أولادها. إذاً هكذا هو الحسن والفرق بين الحُسن والجمال أن الجمال شيءٌ متميز عن غيره من حيث قيمته الجمالية، الحُسن هو الجمال إذا كثر واشتد وتعمق حتى صار مبهجاً. إذاً الإحسان جمالٌ مبهج أحياناً جمال عادي هذا كأس جميل هذا بيت جميل لكن هناك جمال عندما تراه تقف وتقول سبحان الخلاق العظيم! ما هذا الجمال! إذا انبهرت بذلك وابتهجت نفسك به يسمى حسناً. من أجل هذا التاريخ ينقل لنا عن بعض الذين عاملوا أبويهم بحسنٍ مبهج عجائب. ولهذا اقصر طريقٍ إلى الجنة هو التعامل مع الوالدين بحُسن هو البِرّ ومن رحمة الله رب العالمين قال (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴿78﴾ الحج ) رب العالمين تكلم عن بر الوالدين حتى لا ييأس أحد أنت ما دمت تكفي والديك أنت بخير لكن هذا الخير يتفاوت الجنة يا جماعة مائة درجة كل درجة بينها وبين الأخرى كما بين السموات والأرض وكل درجة عن درجة في النعيم كما بين الكوخ والقصر من أجل هذا قال (فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا ﴿75﴾ طه) (وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا ﴿21﴾ الإسراء) إذا أردت أن تدخل الجنة فبالبِرّ، وإذا أحببت أن تترقى في الدرجات العلى التي هي منازل الأنبياء والصديقين والشهداء فعليك بالإحسان أولاً ثم تنتقل إلى الحُسن، تكون في غاية الذل وأن تقدم لهم ثم في غاية الجمال والحسن المبهج لنفس الأبوين. فالأبوان عندما يرونك كيف تقبل يده كيف تقوم كيف تحترمهم يشعرون ببهجة. من أجل هذا أنت أعظم أنواع الإنسان يوم القيامة إذا جئت وأبواك راضيان عنك من حيث أنك بلغت القمة في التعامل معهما لأنك قدمت لهما ما قدمت بحسنٍ وليس بمجرد إحسان بل ترقيت من البِرّ إلى الإحسان إلى الحُسن أصبحت أنت مبهجاً لهما إلى أن ماتا بين يديك وهما في غاية البهجة حينئذٍ لا عليك ما فعلت. "ثلاثةً لا ينفع معهنّ عمل عقوق الوالدين وثلاثة لا يضرّ معهن ذنب ومنها بر الوالدين" فكيف الحسن إلى الوالدين؟! هذا مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. هذه القمم يوم القيامة معدودات، عندك أصحاب الذكر، أصحاب العلم، طبعاً دعك من الأنبياء والصديقين والشهداء هؤلاء قضية أخرى أيضاً، السخاء، الحاكم العادل، قمم يوم القيامة من ضمنهم إذا لم تكن أنت بمالٍ تنفق ولا بحاكم تحكم بالعدل ولا ولا الخ فلتكن مع أبويك مبهجاً لهما بأن تتعامل معهما بحسن.

ﵟ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ﵞ سورة لقمان - 14


Icon