الوقفات التدبرية

*في سورة يوسف قال تعالى (إنه ربي أحسن مثواي) وفي آل عمران (ومأواكم...

*في سورة يوسف قال تعالى ﴿إنه ربي أحسن مثواي﴾ وفي آل عمران (ومأواكم النار وبئس مثوى الظالمين) ما هو المثوى؟.ولماذا لم ترد كلمة مثوى في حال أهل الجنة أبداً؟ ولا يوجد نص على أن الجنة مثوى المؤمنين ؟(د.حسام النعيمى) في هذه الآية والآية التي تليها جملة أمور يوقف عندها لكن سنقف بقدر السؤال ثم نتحول إلى بعض الأمور التي ينبغي أو يوقف عندها. المثوى يقولون في اللغة المنزل أو المكان الذي يثوي فيه الإنسان. والثواء هو الإنحسار في مكان ويكون عادة الإنسان فيه قليل الحركة مثل المسكن، المنزل، الحجرة التي يبيت فيها، المنزل الذي يبيت فيه حركته محدودة فيها بخلاف الفضاء أنت تستطيع أن تمشي أميالاً لذلك يقول الشاعر: رُبّ ثاوٍ يملّ منه الثواء، يعني يستقر في وضعه إلى أن يملّ موضعه منه ويقول أيضاً: فما دون مصر للغنى متطلب *** قال بلى إن أسباب الغنى لكثير فقلت لها إن الثواء هو التوى *** وإن بيوت العاجزين قبور الثواء هو التوى يعني هذا الإستقرار في مكان واحد وإن كان فيه حركة فهو حركة ضيّقة، هو يريد أن ينطلق ﴿إنه ربي أحسن مثواي﴾ يعني هذا المكان الذي أنا فيه، أحسن منزلي. ويفرقون بين ثوى وأوى (أوى وآواه) لاحظ الفرق: الهمزة بدل الثاء، الهمزة فيها قوة وهي حرف شديد، أوى فيها نوع من الضم ﴿آوى إليه أخاه﴾ جعله يستقر لكن ضمّه إلى المأوى غير المثوى. والمأوى استعمل في النار وفي الجنة فالجنة تضم صاحبها والنار تضم صاحبها لكن شتان بين الضمتين، بين إحتضان الجنة للإنسان وإحتضان النار للإنسان.فالثواء فيه مقام محدود. إن الثواء هو التوى والتوى هو الموت والهلاك. فكلمة الثوى والثواء استعملت في حال الدنيا لأنه منزل يثوي إليه أو يأوي إليه لذلك نجدها في أكثر من سورة في حال الدنيا. في الآخرة إستعمل اللفظة للنار لماذا؟ لأن الجنة ليست منطقة ضيقة محصورة إنا نتبوأ من الجنة حيث نشاء، فيها السعة والإنطلاق. لاحظ مثلاً: ﴿أكرمي مثواه﴾ أي نُزُله في الدنيا. ﴿وما كنت ثاوياً في أهل مدين﴾، ﴿والله يعلم متقلبكم ومثواكم﴾ الأماكن التي تتقلبون فيها، تنتقلون إليها والمكان الذي تستقرون فيه ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾. هذا سؤال السائل لماذا لم تستعمل كلمة المثوى مع أهل الجنة؟ أما الآية (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23)) هذه من الأماكن التي وقف عندها. ما دلالة استعمال ﴿التي هو في بيتها﴾ ولم يقل امرأة العزيز أو لفظة أخرى؟ في الغالب لا يذكر القرآن الأسماء. العلماء يقولون فيه أمران: الأول هو سترٌ عليها وعدم فضيحة لأن يرتبط هذا بإسمها. والأمر الثاني وهو الأرجح نوع من الترفّع عنها وبيان عظمة موقف يوسف . الترفّع عدم ذكر إسمها ﴿التي هو في بيتها﴾ وبيان عظمة موقفه أنه هو تابع، هو في بيتها والمفروض عندما يكون في بيتها أن يسمع وأن يطيع فهي سيّدته والأمر من سيّدته وهو ينبغي أن يخاف منها فضلاً عن أن كونه في بيتها وهو شاب يتطلع إلى جمالها يمكن أن يدخل في نفسه شيء تجاهها لكن يخاف باعتبار أنه عبد مملوك يخاف أن يعرض لها وإنما هي عرضت له وهذه فرصة بالنسبة له. فكأنما يريد القرآن أن يبيّن لنا هذا الموقف النبيل العظيم من هذا الإنسان الذي نُبّيء، الذي صار نبيّاً فيما بعد وفي حال شبابه لم يكن نبياً، فهذا نوع من رفعة شأنه. ورفعة الشأن هذه تجعلنا نفسر الآية الثانية بما فسرها به كثير من العلماء المدققين المحققين (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24)) ولذلك هم يرجحون الوقف عند ﴿همّت به﴾ صحيح أنه في المجمع أن يصل الكلام إلى أن يقف عند ﴿ربه﴾ لكن الوقف عند ﴿همت به﴾ يوضح المعنى: ولقد همت به ﴿وقف﴾ وهمّ بها لولا أن رأى برهان ربه. ﴿لولا﴾ أداة شرط تأخذ فعل شرط وجواب شرط. لاحظ في قصة موسى  (وإن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها) إذن الجواب تقدّم يعني: لولا أن ربطنا على قلبها لأبدت به أو لكادت أن تبدي به لكن هي ما أبدت به. أصل التركيب خارج القرآن لم يرد أن يهتم بهذه المشاكلة. في غير القرآن كان يمكن القول ولولا أن ربطنا على قلبها كادت أن تبدي بولدها، أن تُظهِر نوعاً من الفرح أنه ولدها. وهنا أيضاً البعض يقول أن الآية ﴿ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه﴾ تعني أنها همّت به فعلاً وهمّ بها تركاً لكن نقول هذا تأويل لا تحتمله اللغة. فما الدليل على أنه همّ بها تركاً وهمّت به فعلاً؟ هو تركها فعلاً ولم يهمّ بها تركاً ولم يكن هناك همٌّ في نفسه وإنما نفّذ ذلك وتركها وانصرف عنها.

ﵟ وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ۚ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ۖ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ﵞ سورة يوسف - 23


Icon