الوقفات التدبرية

آية (2): (وَالْقُرْآَنِ الْحَكِيمِ (2)) * ما دلالة استعمال وصف...

آية (2): (وَالْقُرْآَنِ الْحَكِيمِ (2)) * ما دلالة استعمال وصف الحكيم؟ أولاً ربنا تعالى أقسم بالقرآن قال (يس (1) وَالْقُرْآَنِ الْحَكِيمِ (2)) القرآن علَم على الكتاب الذي أُنزل على الرسول . *هو يقسم بالكتاب أيضاً، في بعض الأحرف المقطعة التي ذكرتها يأتي بعدها القسم بالقرآن أو بالكتاب؟ الكتاب ليس عَلَماً لكن القرآن عَلَم على هذا، علم يعني إسم كيف أن الإنجيل علم على كتاب أُنزل على عيسى  يعني يحدد مسمى بعينه تعريفه في اللغة ما أُطلِق على إسم بعينه ولم يتناول ما أشبهه، يعني لما تقول هذا محمد أو خالد لا يتناول رجالاً آخرين وإنما علم يتناول ذات معينة أما كلمة رجل عامة، إسم جنس. إذن القرآن علم على الكتاب الذي أنزل على الرسول . هو في الأصل مصدر من قرأ قراءة وقرآناً (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) القيامة) يعني قراءته، مصدر قرأ قراءة وقرآن فهو في الأصل مصدر ثم أطلق علماً على الكتاب ﴿وَالْقُرْآَنِ الْحَكِيمِ﴾. *هل له علاقة بالأحرف المقطعة؟ الملاحظ أن قسم تبدأ بالإشارة إلى القرآن سواء عن طريق ذِكره أو عن طريق القسم (ص وَالْقُرْآَنِ ذِي الذِّكْرِ (1)) وكذلك الكتاب قسم تبدأ بالإشارة للكتاب (الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) البقرة) (الم (1) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (3) آل عمران) أو قسم به (حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) الزخرف) وأحياناً يجمع بينهما كتاب وقرآن مبين. الملاحظ أنه في كلامنا على ما بعد الأحرف المقطعة تحديداً أنه إذا ذكر الكتاب بعد الأحرف المقطعة قَسَماً أو ذِكراً ذكر الكتاب وحده لم يجمعه مع القرآن تتردد لفظ الكتاب ومشتقات الكتابة أكثر من لفظ القرآن في السورة. مثلاً في سورة البقرة قال (الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2)) نلاحظ في هذه السورة تتردد لفظ الكتابة ومشتقاتها 47 مرة ولفظ القرآن ما ورد إلا مرة واحدة فقط (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ (185)) وهذا لم يتخلف، في آل عمران قال (الم (1) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ) تردد فيها لفط الكتاب ومشتقاه 33 مرة ولم يرد لفظ القرآن هذا لم يتخلف في الأعراف ويونس وهود وإبراهيم والشعراء لم يتخلف. الذي ورد فيه لفظ القرآن يكون لفظ القرآن يتردد أكثر مثلاً (طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى (2)) لفظ القرآن ورد ثلاث مرات والكتاب مرة واحدة، في سورة ق (ق وَالْقُرْآَنِ الْمَجِيدِ (1)) ورد لفظ القرآن مرتين والكتاب مرة واحدة فقط في سورة ص تعادلا (ص وَالْقُرْآَنِ ذِي الذِّكْرِ (1)) لكن ﴿كتاب أنزلناه مبارك﴾ فإذا اجتمع لفظ القرآن والكتاب في بداية السورة مثلاً (طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ (1) النمل) ذكر الأمرين بعد الأحرف المقطعة يتقارب اللفظان في السورة ويمكن أن يكون الفرق بينهما لفظة واحدة مثل سورة الحجر (الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآَنٍ مُبِينٍ (1)) الكتاب مرتين القرآن ثلاث مرات متقاربة، الفرق بينهما واحد، النمل (طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ (1)) القرآن أربع مرات والكتاب خمس مرات، متقاربة. (يس (1) وَالْقُرْآَنِ الْحَكِيمِ (2)) القرآن ورد فيها مرتين ولم يرد فيها لفظ الكتاب، هذا ظاهر الملاحظة. فإذن أحياناً يذكر ربنا تعالى القرآن ومرة الكتاب ومرة يجمع بينهما للدلالة على أنه يُقرأ ويُكتب، كتاب مكتوب في اللوح المحفوظ هناك ومقروء وأيضاً هو مكتوب ومقروء هاهنا. إذا ذكر الكتاب بعد الأحرف المقطعة تكون السمة الغالبة للسورة ذكر الكتاب فيها وإذا ذكر القرآن تكون السمة الغالبة للسورة ذكر القرآن وإذا ذكرهما معاً يكونان متقاربان من بعضهما البعض بفرق واحد أو اثنان. *ما دلالة ذكر وصف الحكيم هنا؟ ذكرنا سابقاً أن الحكيم يحتمل عدة معاني يمكن أن تكون كلها مرادة، حكيم قد تكون فعيل بمعنى مفعول محكم حكيم محكم لأن فعيل يأتي بمعنى فعول مثل أسير مأسور، قتيل مقتول وجريح مجروح حكيم محكم (مفعول به) والمحكم هو الذي لا يتناقض ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وربنا قال (الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ (1) هود) (هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ (7) آل عمران) إذن من المحتمل أن يكون هذا المعنى مقصود حكيم بمعنى محكم، ما قال محكمات وقال ﴿أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ﴾ ويمكن أن يكون صاحب حكمة يكون القرآن حكيماً لأنه ذو حكمة متضمن للحكمة متصف بالحكمة إذا كان متصفاً بالحكمة فهو حكيم وإن كان متضمناً للحكمة فهو حكيم يكون الإسناد مجازي حق الإسناد إلى الله لأن ربنا تعالى هو القائل فإذا وصف الكتاب بالحكيم فحقيقة المسألة إسناده إلى الله تعالى وهذا من باب الإسناد الممجازي كما قال ربنا (وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (97) هود) هو قال ما الأمر برشيد والمقصود فرعون، فرعون ليس برشيد لما قال ﴿وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ﴾ إذن صاحبه ليس برشيد ولم يقصد الأمر لأن صدر عن غير رشيد فيكون الأمر غير رشيد ولو صدر الأمر عن رشيد لكان رشيداً إذن هي متلازمة فلما كان القرآن حكيماً فقائله حكيم. وقد يكون حكيم صيغة مبالغة في الحُكم، الحاكم إسم فاعل والحكيم مبالغة في الحكم. يجوز أن نطلق على الحاكم حكيم إذا كان مكثراً (حكيم صيغة مبالغة على وزن فعيل) فإذن حكيم من الحكم والحاكم فهو هذا القرآن الحكيم العادل القوي الفصل وحكمه يعلو على جميع الأحكام فهو يحكم ويهيمن على غيره لأنه نسخ ما قبله من الأحكام والكتب ثم قال ربنا (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ (48) المائدة) إذن هو حكيم بهذا المعنى مهيمن في الأحكام ومهيمن على الأحكام كلها ومهيمن على ما سبق من الكتب نسخها ومهيمناً عليها يصدقها أو يكذبها يقول عنها محرفة أو غير محرفة إذن هو مهيمن. إذن جمع بلفظ الحكيم عدة معاني كلها مرادة مطلوبة هو أرادها هكذا أراد أن يجمع هذه المعاني كلها جمع بين الحقيقة والمجاز العقلي والاستعارة ومعاني مختلفة حكيم وحاكم ومحكم وذو حكمة. (يس (1) وَالْقُرْآَنِ الْحَكِيمِ (2)) هذا قسم جوابه (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3)) والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين أقسم بالقرآن على كونه رسولاً من الرسل. إذن هو "والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين"، أثير سؤال من المخاطَب بهذا القسم؟ هل هو يقسم للرسول  أو للمكذبين؟ لا شك أنه يبلِّغ الرسول  والمقصود من القرآن التبيلغ ونشر الدعوة ومخاطبة كثير من المكذبين والمنكرين ودعوتهم للإسلام إذن معناه أنه هو يقسم للمدعوين للمخاطبين يقسم لهم بالقرآن إنك لمن المرسلين. هناك سؤال يقال أن المفروض أن في القسم يتفق المقسِم والمقسَم له على التعظيم المقسِم هو الله تبارك وتعالى والمقسَم له هم المخاطبين يتفقان على تعظيمه حتى يكون القسم؟! لا بد أن يؤمنوا هم بالقرآن ليقسم لهم لكنهم هم لم يؤمنوا فكيف يقسم لهم؟! القوم لا يرون أنه كلام الله ولا يرون أنه رسول فلماذا القسم؟ يقولون القرآن جعله الله تعالى معجزة للرسول  فالقرآن هو الدليل الأكبر على رسالته والبرهان الأعظم عليها وقال تعالى (وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآَيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51) العنكبوت) وربنا تعالى سمى القرآن برهان (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ (174) النساء) معناه فيه الدليل وتحداهم به أكثر من مرة وصفه بأنه قرآن إذن هو أقسم بما تقوم الحجة عليه لأنهم لو تدبروا هم لم يستطيعوا أن يأتوا بمثله جعل فيه برهان إذن ما فيه من الأدلة على صدق الرسول كافية إذن قال لهم لو تأملتم هذا القرآن فإنه أحكم إحكاماً لا إحكام بعده وفيه الدليل على نبوة الرسول  فهو يقسم به لأنه هو الدليل إذن هذا ليس قسماً هكذا وإنما قسم بالبرهان وما فيه من دليل وهذا نستعمله في حياتنا اليومية مثلاً لو شخص أنكر فضل شخص آخر عليه وأنت تعلم أن القميص الذي يلبسه الآن هو من فضله عليه تقول له وحق هذا القميص هو محسن لأنه يعلم أن هذا القميص الذي يلبسه من فلان وأنت تنكر إحسانه؟ القميص الذي أنت تلبسه هو من إحسانه عليك فأنت تقسم بما تقيم عليه الحجة وكأن القسم بالقرآن هنا لأنه هو البرهان وهو المعجزة وقد تحداهم به وقد عجزوا أنتم هذا الذي عجزتم عنه هو هذا أنا أقسم به لأن فيه الدليل وأنه أعجزكم وأنه أفحكم وأنا أقسم بهذا. وهناك أمر آخر القرآن الكريم هو البرهان وهو موضوع الرسالة، البرهان يعني فيه الدليل على نبوة محمد  فيه أدلة كثيرة وهو موضوع الرسالة في آن واحد فيه التوحيد وفيه الأحكام لأنه أحياناً تحتلف المعجزة عن موضوع الرسالة مثلاً موسى  قلب العصى حية أو إخراج اليد بيضاء ليستا موضوع الرسالة، موضوع الرسالة هو الإيمان بالله والتوحيد وإنما هذه هي معجزة لتصديق الرسالة إذن المعجزة اختلفت عن موضوع الرسالة، ناقة صالح ليست موضوع الرسالة هذه معجزة وموضوع الرسالة هي دعوتهم إلى التوحيد (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ (73) الأعراف) وإخراج الناقة معجزة لتصديق صالح أما القرآن فهو معجزة وهو موضوع الرسالة. كل الأنبياء كانت المعجزة مخالفة للرسالة أما مع سيدنا محمد  هو نفسه المعجزة وموضوع الرسالة (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51) العنكبوت) (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ (174) النساء) إذن هو المعجزة لأنه تحداهم به وهو موضوع الرسالة فهو جمع الفضلين هو معجزة وهو موضوع الرسالة.

ﵟ وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ ﵞ سورة يس - 2


Icon