الوقفات التدبرية

آية (4): (عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (4)) *ما دلالة ترتيبها مع ما...

آية (4): (عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (4)) *ما دلالة ترتيبها مع ما قبلها؟ (يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (4)) هذا التعبير من حيث الترتيب النحوي واللغوي يحتمل أمرين: يحتمل أن يكون خبراً بعد خبر والأخبار قد تتعدد (إنك لمن المرسلين وإنك على صراط مستقيم) أخبروا باثنينِ أو بِأكثَرا عن واحدٍ كَهُم سَراةٌ شُعَرَا الإخبار يتعدد (وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15) البروج)، فإذن يحتمل أن يكون خبر على خبر يعني ﴿إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ ﴿عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ كما نقول إنه من أهل بغداد من أصحاب الثراء. كما يحتمل أن يكون متعلقاً بالمرسَلين يعني إنك على صراط مستقيم متعلق بقوله إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم أرسلت على صراط مستقيم سيكون متعلق بما قبله. إذن يحتمل أن يكون خبر على خبر ويحتمل أن يكون متعلقاً بما قبله يعني أنك من الذين أرسلوا على صراط مستقيم أنت من المرسلين على هذا الأمر على صراط مستقيم. الفرق بين التقديرين من حيث الدلالة لو جعلناه خبر بعد خبر كان ممكن الاستغناء بأحد الخبرين ﴿إنك لمن المرسلين﴾ وتكون جملة تامة لكن أنه على صراط مستقيم أنه من المرسلين إذن لا يجوز الاستغناء عن ﴿إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾. إذن لو جعلناه خبر بعد خبر يحتمل أن نستغني بواحد نقول ﴿إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ أو إنك ﴿عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ والمعنى تام. إذن يحتمل أن نكتفي بأحد الخبرين والمعنى تام بما نريد نحن. وربنا قال في موطن آخر اكتفى (تِلْكَ آيَاتُ اللّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (252) البقرة) لم يقل على صراط مستقيم، أو قد يكتفي بـ ﴿إنك على صراط مستقيم﴾ (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (43) الزخرف) هذا إذا جعلناه خبراً أما إذا جعلناه متعلقاً لا يصح ولا يكتفي يجب أن يكون متعلق به ويذكر الأمران معاً إذن كل تقدير له دلالة، لو جعلناه خبر يمكن أن نكتفي ماذا يريد المتكلم أن يقول؟ إذا أراد أن يكتفي بذلك قال ﴿إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ أو أراد أن يكتفي بأنه على صراط مستقيم يقول ﴿على صراط مستقيم﴾ وإذا أراد الارتباط والتعلق ليس له أن يقول ذلك. تقول أنت من المرسلين إلى أوروربا، أنت من المرسلين بهذه الرسالة، أنت من المرسلين على نفقة الدولة مرتبط بها إذا قدرناه على أنه مرتبط لا يكتفي ولا بد أن نذكره وإلا يختل، إذن لو جعلناه خبر بعد خبر يصح الاكتفاء، لو أراد التعلّق لا يكتفي، لا يصح لأنه أراد أن يربط هذا بذاك يتعلق به فلا يكتفي. *إذن ليس لنا أن نحدد دلالة معينة أو وجهة سياقية محددة؟ نقول احتمال والتركيب يحتمل وهناك كثير من التعبيرات الاحتمالية في اللغة العربية *وبهذا الخصوص مرة يقول تعالى ﴿إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ و﴿عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ لماذا جمع الاثنين هنا مع أنهما وردتا في القرآن متفرقتين؟ هو بحسب السياق الذي ترد فيه لو قال ﴿إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ واكتفى دل على أنه على صراط مستقيم تضمناً لا تصريحاً، لو قال ﴿إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ وسكت يحتمل جملة أمور وجملة معاني يحتمل أنه على صراط مستقيم لأن المرسل أكيد يكون على صراط مستقيم لكن متضمن يشمل أموراً أخرى يحتمل أنه صادق بما يأمر به ومحتمل أنه يأمر بالخير ومحتمل أنه مجرد الإخبار أنه من المرسلين، لا يريد له معنى متضمن فقوله ﴿عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ حدد أمراً معيناً يريده المتكلِّم لم يجعل ذلك للذهن واحتمالات كثيرة هو عندما يقصد إلى أمر معين يذكره عندما يقصد العموم يعمم كما هو شأن العموم والخصوص. أما لو قال (إنك على صراط مسنقيم) وسكت كما قال في الزخرف لا يدل على أنه من المرسلين. السؤال إذن لماذا اكتفي في موطن ﴿إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ وفي موطن ﴿إنك عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾؟ لو وضعنا الآيات في سياقها يتضح الجواب: في البقرة قال (تِلْكَ آيَاتُ اللّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (252) البقرة)، في الزخرف قال (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (43) الزخرف). نضع كل واحدة في سياقها: في البقرة التي لم يذكر على صراط مستقيم هذه أصلاً لم نر فيها ذكراً للدعوة، السياق ليس فيه ذكر للدعوة والدعوة هي صراط مستقيم، وردت في سياق القصص القرآني ذكرها في سياق قصة طالوت وجالوت وقسم من الأنبياء أيضاً، عندما ذكر قصة طالوت وجالوت وذكر قسماً من الأنبياء قال (تِلْكَ آيَاتُ اللّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (252) البقرة) يعني أراد أن يُخبر أن هذا دليل على إثبات نبوته  بإخباره عما لم يعلم من أخبار الماضي، قصة لم يعلمها لا هو ولا قومه فأجراها على لسانه أخبر بها أعلمه بها الله سبحانه وتعالى، فإذن لما ذكر هذه القصة التي لا يعلمها قومه ولا يعلمها هو فأجراها على لسانه هذا يدل على رسالته. كما ذكر تعقيباً في قصة نوح لما قال له (تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (49) هود) الله تعالى أعلمه، فيها دلالة على كونه مرسَلاً من قِبَل الله سبحانه وتعالى يعني هذه دليل على إثبات نبوته ورسالته، في قصة يوسف (ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ (102)) وهذه مثل تلك، يعني هذه هي البرهان والدليل على أنه  مرسَل من المرسلين لم يقل على صراط مستقيم هي ليست في سياق الدعوة وإنما في سياق إثبات نبوته. آية الزخرف هي في سياق الدعوة إلى الله وفي هداية الخلق (أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَن كَانَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (40) الزخرف) هو مكلَّف إذن بالهداية (فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (41) أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ (42) فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (43) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (44) وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آَلِهَةً يُعْبَدُونَ (45) الزخرف) إذن الكلام في سياق الدعوة. ثم لاحظ عندما قال ﴿فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ﴾ يعني إنك لمن المرسلين إذن هو جمع الاثنين جمع الرسالة ﴿فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ﴾ وقال ﴿وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا﴾ من قبلك يعني أنت بعدهم فأنت واحد منهم. إذن هو جمع الأمرين هنا ولكن بشكل آخر وذكر الدعوة إلى الله لأنه في سياق الدعوة فذكر ﴿إنك عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ ثم وصف الصراط أنه مستقيم وليس الصراط يعني مستقيم الصراط هو الطريق الواسع (أصلها سراط (بالسين) من سرط بمعنى بلع لأنه يبلع السابلة لأنه ضخم ولذلك قسم يسموه لَقْم لأنه يلتقمهم) مستقيم وصف آخر للصراط ﴿فاهدوهم إلى صراط الجحيم﴾. *نفهم مستقيم لا اعوجاج فيه؟ صراط الجحيم يعني طريق الجحيم، هذا المستقيم الصراط هو الطريق الواسع والمستقيم وصف آخر للصراط، المستقيم هو أقرب الطرق الموصِلة إلى المراد أيّاً كان هذا المراد فهو أقرب الطرق إليه فليس هنالك أقرب منه طريق قويم ومستقيم وأقصر الطرق الموصلة إلى المراد ولا يحمل إيجاباً أو سلباً أو وصفاًً طيباً أو غير طيب. المستقيم الاستقامة أنه طريق مستقيم قويم التي توصلك إلى المطلوب بأقصر طريق وأقرب وأيسر طريق. ﴿فاستقم﴾ استقم معناها كن معتدل الأمر لا تميل إلى الباطل أو كذا ما أراد ربنا من الأمور القويمة. *ما دلالة تقديم ﴿إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ على ﴿عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾؟ التقديم له عدة أمور أولاً كونه من المرسلين هو أفضل من كونه على صراط مستقيم لأن كونه نبي يتضمن أنه على صراط مستقيم، هو مرسل ونبي وهو أيضاً متضمن تضمناً أنه على صراط مستقيم لكن لو قال على صراط مستقيم أولاً لا يدل على أنه نبي، إذن هذا يتضمن. ثم هذا من تقديم السبب على المسبَب هو كان على صراط مستقيم بسبب أنه نبي فالرسالة سبب في كونه على صراط مستقيم، إذن هذا بتقديم السبب. ثم ذكرنا أنه أمر آخر لما قدّم ﴿إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ يمكن أن نعلق به ﴿عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ لو أخرناه لا نستطيع أن نعلّق فتعطي توسعاً في المعنى أكثر. *إذن في القرآن الكريم ليست هناك كلمة زائدة أو تعبير زائد؟ طبعاً لا يمكن. ﴿إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ و ﴿عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ كل واحدة وردت في موطن بينما وردت في يس معاً كل واحدة في سياقها ﴿إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ في سورة البقرة في سياق إثبات الرسالة وليست في سياق الدعوة بينما في الزخرف في سياق الدعوة ثم ذكر أنه رسول ﴿فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ﴾. *نقرأ في بعض الكتب أن هذا حرف جر زائد فما مفهوم الزيادة في القرآن الكريم؟ فرق بين كونه زيادة أو مصطلح. هذا مصطلح لأنه لما يكون حرف زائد يعني المعنى العام يبقى نفسه ولو حذف مع زيادة التوكيد هم يقولون أن الحرف الزائد يفيد توكيداً في الغالب، يعني ليس ممكناً أن تطرحه هكذا وليس له فائدة، الحروف الزائدة من المؤكدات وقد تكون لأسباب أخرى وعندهم أمور أخرى يسموها زيادة تزيينية أو دلالة أخرى، يقولون الزيادة بين العامل والمعمول لكن لو أسقطه لبقي المعنى العام هو هو (وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ (46) فصلت) لو حذفنا الباء يبقى المعنى العام هو هو أن الله لا يظلم أحداً وإنما جيء بها للزيادة في التوكيد. قسم من القدامى يسموه حرف صلة تصل ما بعدها بما قبلها. هنا فرق بين ما يقصده النُحاة من الزيادة لأنه هذا مصطلح عندهم وقد قالوا (لا مشاحّة في الاصطلاح) هذا مصطلح وبين ما يقصده آخر من زيادة في القرآن النحاة لم يقولوا أنه زيادة هكذا ليس له فائدة وإنما يقولون حرف زائد هذا مصطلح نحوي لا يعني أنك ترميه وليس له فائدة وإنما الزيادة لغرض التوكيد والمعنى العام هو ما جيء به بين العامل والمعمول ولو حذف لبقي دلالة الكلام واحدة مع زيادة في التوكيد كما تدخل ﴿إنّ﴾ على الكلام تقول محمد قادم وإنّ محمداً قادم نفس الدلالة لكن زاد التوكيد فهذه مثلها. *ما معنى لا مشاحّة في الاصطلاح؟ يعني لا مجادلة قلنا هذا مصطلح لا نقصد به المعنى اللغوي. مشاحّة يعني مجادلة يعني لا مجادلة هذا مصطلح فيه سعة.

ﵟ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﵞ سورة يس - 4


Icon