الوقفات التدبرية

آية (8): (إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ...

آية (8): (إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (8)) فكرة عامة عن الآية: قال تعالى (إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (8)) الأغلال جمع غُلّ حلقة من حديد تحيط بالعنق أو باليد أو تجمع بينهما بقصد التعنيف والإذلال والمقمح الذي يرفع رأسه ويغض بصره لأن الأغلال عريضة في أعناقهم إلى الأذقان وهي ضيقة، * من الأيدي إلى الأذقان؟ ذكر الأعناق هنا فقط لم يذكر الأيدي هنا. * سواء كان في الأيدي أو الأعناق فهو غل؟ نعم، لكن عندما قال ﴿إلى الأذقان﴾ يعني هي شملت كل العنق، عريضة لم تترك شيئاً إلى الذقن، وهي ضيقة عريضة فلا تدعه يتحرك لا يستطيع أن يحرك رأسه ولا أن يطأطئ عنقه ولذلك قال ﴿فهم مقمحون﴾. * ما معنى الأغلال وما معنى مقمحون؟ الأغلال جمع غُل وهو حلقة من حديد تحيط بالعنق أو باليد، قَيْد، أو تجمع بينهما (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ (29) الإسراء). المُقمَح الذي يرفع رأسه ويغضّ بصره. لأن الغلّ يمنعه لا يستطيع أن يتحرك فهو إذن في حالة رافع رأسه لكن يغض البصر لا يستطيع أن يتحرك. جعل في أعناقهم أغلال ثقال أطواق من حديد غلاظ عراض المساحة تستوفي كل العنق فيبقى هكذا لا يستطيع أن يحرك رأسه، مرفوع الرأس مغمض العينين. لا يستطيع أن يلتفت لأن الأغلال تقيّد حركته. هؤلاء إذن لا يتمكنون من الرؤية ولا البصر ولا يهتدون لأنه هذه حالهم فكيف يهتدون؟ فإذن هم بهذه الصورة العنق كله في طوق ثقيل غليظ ليس واسع المساحة إلى العنق بحيث لا يتمكن أن يلتفت ويطأطئ رأسه إذن هو رافعاً رأسه ﴿فهم مقمحون﴾ بيان لحالتهم أن هؤلاء لا يهتدون لأنهم لا يبصرون، لا يبصر فكيف يهتدي؟! هذه حالتهم ولا يمكن حتى أن يلتفتوا لا إلى اليمين ولا إلى اليسار، يتخبط، هذه حالهم. ذكرنا في قوله تعالى (إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (8)) فبيّنا الغُل وقلنا هو حلقة من حديد وذكرنا أنه جعل في أعناقهم أغلالاً يعني طوق من حديد، هذه الأطواق ثِقال عِراض من حيث تشمل الرقبة كلها ليست واسعة الفتحة فهم لا يستطيعون الإلتفات يميناً أو يساراً أو أن يطأطئ رأسه فيبقى رافع الرأس، المقمح هو الرافع رأسه الغاضّ بصره. * إذا نظرنا في هذه الآية سيدي الدكتور فاضل في قوله ﴿إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلاَلاً﴾ نعلم أن المفعول به غالباً يكون مرتبطاً بفاعله فلِمَ التقديم والتأخير بين ﴿في أعناقهم أغلالاً﴾؟ التقديم والتأخير بحسب السياق والمقام الذي يرد فيه كما هو معلوم. فالكلام الآن عن الأغلال أو عن هؤلاء الناس؟ لم يذكر شيئاً من صفات الأغلال ولا شيء وإنما هو كل الكلام عنهم (في أعناقهم، فهم مقمحون، وجعلنا من بين أيديهم سداً، لقد حق القول على أكثرهم،) إذن ليس الكلام عن الأغلال وإنما الكلام عليهم، هكذا هو السياق (لقد حق القول على أكثرهم، وسواء عليهم أأنذرتهم) فلما كان الكلام عليهم قدّمهم، ليس الكلام عن الأغلال ليس هناك صفة للأغلال ولا ذكر شيئاً متعلقاً بها قال فقط ﴿أغلالاً﴾ ولم يقل فهي إلى الأذقان وإنما قال فهم مقمحون. لما كان الكلام عليهم هم قدّم ما يتعلق بهم. * هل هذا الأسلوب مُتّبع في اللغة الأعلى؟ هذه في اللغة العليا في البلاغة والتقديم والتأخير بحسب ما يقتضيه المقام والسياق فمرة يقدم الأفضل ومرة يقدم المفضول ومرة يقدم الأضعف ومرة يقدم الأقوى ومرة يقدم الأسبق في التربة وهكذا بحسب السياق. * تسمح لي كإبن لك يتعلم منك، إذا قيل مثلاً إنا جعلنا أغلالاً في أعناقهم سنوجد المبررات لهذا أيضاً ونقول أنه اهتم بالأغلال فقدّمها؟ لكن لم يذكر شيئاً يتعلق بها، * إذن حتى الإهتمام لا بد له من قرينة سياقية؟ (لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آَبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6) لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (7) إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (8) وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (9)) كل الكلام وكل السياق يتعلق بهم وليس بالأغلال ليس إلا هذه العبارة ﴿إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا﴾ الباقي أولها وآخرها وكل السياق هو الكلام عنهم. * إذن فهم الكلمة القرآنية يتأتى من خلال نظم الكلمات داخل الآية ليست مجرد وجهات نظر؟ أحياناً تكون مثل القانون الرياضي، أحياناً تكون الأمور ليس فيها اجتهاد - لمن يعلم- ، مثل الحكم النحوي مثلاً فاعل مرفوع، أحياناً تكون هكذا كأنه هو حُكم رياضي. * في الآية التي تفضلت بها ﴿وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا﴾ نلاحظ سيدي أن الله سبحانه وتعالى قال ﴿من بين أيديهم﴾ ولم يقل وجعلنا بين أيديهم سداً فماذا أفادت ﴿من﴾ هنا؟ حتى قبلها قال (إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ (8)) أكّد بـ﴿إنّ﴾ وأسند الجعل إلى نفسه حتى تأتي كلها ﴿وجعلنا﴾ لم يقل لقد جُعلت في أعناقهم أغلالاً نسبه إلى نفسه دلالة على أنه لا يتمكن أحد من إزالة هذا الأمر أو من فك هذه الأغلال، إنا جعلناها هكذا مؤكدة بنسبة الجعل إليه سبحانه هو. لو قال لقد جُعلت في أعناقهم أغلالاً يأتي واحد ويقول نفك الأغلال هذه، * السياق يحتمل هذا؟ لو قال هكذا، لكن عندما أسندها مؤكد إلى نفسه معناها ما قدّره الله حصل

ﵟ إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ ﵞ سورة يس - 8


Icon