الوقفات التدبرية

* القرآن الكريم مرة يستخدم أتى ومرة يستخدم جاء فما الفرق بين أتى...

* القرآن الكريم مرة يستخدم أتى ومرة يستخدم جاء فما الفرق بين أتى وجاء خصوصاً في الايات المتقاربة مثل قوله تعالى (إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84) الصافات) (إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) الشعراء) (أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ (1) النحل) (فَإِذَا جَاء أَمْرُ اللَّهِ (78) غافر)؟ نفس المعنى تقريباً لكن اختلاف الفعل أتى وجاء فلماذا؟(د.فاضل السامرائى) ذهب بعض أهل اللغة أن الإتيان هو المجيء بسهولة والمجيء عام ويستعمل لما هو أصعب وأشق. فيه صعوبة ومشقة. لكن هذه الأمثلة (إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84) الصافات) (إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) الشعراء) نضع كل واحدة في مشهدها وفي سياقها. قال في الصافات الي ورد فيها ﴿جاء﴾ (وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ ﴿٨٣﴾ إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴿٨٤﴾ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ ﴿٨٥﴾) إلى أن قال (قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ ﴿٩٧﴾) ثم ذكر (فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101)) وأمره بذبحه وهمّ بذلك إلى أن قال تعالى (إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ (106))، هذه ﴿إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾. بينما الأخرى في الشعراء (وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ ﴿٨٧﴾ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ ﴿٨٨﴾ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴿٨٩﴾ وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴿٩٠﴾) ليس فيها ما ذكره في الصافات ذاك مجيء فيه مشقة. وما ذكره بعدها من ذبح ولده، هذا بلاء مبين، ذاك مجيء اختلف. لذلك الأمر الشاق الصعب الذي انتهى ﴿قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ﴾ قال ﴿جاء﴾. الأمر الثاني قال ﴿أتى﴾ أيّ المجيئين أشق؟ قال ﴿وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ حتى نلاحظ (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا (73) الزمر) قال ﴿جاؤوها﴾ التي هي الجنة، وتلك (إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴿٨٩﴾ وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴿٩٠﴾ الشعراء) هم نفسهم. لكن لو لاحظت في الزمر ذكر النفخة والصعقة والمجيء بالنبيين والشهداء والقضاء بينهم ولم يذكر هذا في الصافات. هذا أمر. والأمر الآخر قال ربنا ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا﴾ تلك ﴿وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾، أوولئك يذهبون للجنة والثانية الجنة تأتيهم، أيُّها الاسهل؟ أن يؤتى بالجنة، قال ﴿وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ والأخرى ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا﴾ سيق فيها صعوبة، أما هذه قُرّبت لهم فاستعمل فيما هو أشق ﴿جاؤوها﴾. حتى الآية التي ذكرتها (أَتَى أَمْرُ اللّهِ (1) النحل) والأخرى (فَإِذَا جَاء أَمْرُ اللَّهِ (78) غافر) لو أكملنا الآية الأولى (أتى أمر الله تستعجلوه) هو لم يأتي إنما قرُب. الآية الأخرى ﴿فَإِذَا جَاء أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ﴾ هذا واقع وذاك لم يقع بعد. ذاك مجيء وخسران، أيّ المجيئين أشد؟ فاستعمل أتى لما هو أخف وأيسر وجاء لما هو أشق.

ﵟ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﵞ سورة الشعراء - 89


Icon