الوقفات التدبرية

الوفاة: يقولون وفّى ماله من الرجل أي استوفاه كاملاً غير منقوص أي...

الوفاة: يقولون وفّى ماله من الرجل أي استوفاه كاملاً غير منقوص أي قبضه وأخذه فلما يقال توفي فلان كأنه قُبِضت روحه كاملة غير منقوصة. والموت هو مفارقة الحياة وليس فيها معنى القبض ولذلك يستعمل لفظ الموت أحياناً استعمالات مجازياً يقال ماتت الريح أي سكنت وهمدت والذي ينام مستغرقاً يقال له مات فلان اذا نام نوماً عميقاً مستغرقاً. هذا السكون للموت فكأن هذا الشيء الذي يفارق جسد الانسان بالمفارقة موت والذي توفّي تقبضه ملائكة الموت. عندما نقول مفارقة الحياة او مفارقة الروح يمكن ان ننظر الى نوع من التفريق بين الحياة والروح. (يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي) لا نعلم ماهية الروح لكن هي يقيناً غير الحياة لأن الحيمن (الذي يتولد منه الكائن الحيّ عند الذكر) حيّ وفيه حياة وبويضة الأنثى فيها حياة وعندما يتم الاخصاب فهذا الشيء المخصّب فيه حياة وأول ما يحصل لهذا الشيء المخصب هو نبض قلبه ونبض القلب حياة لكن بعد شهرين أو أكثر تُنفخ فيه الروح لكن قبل ذلك كان فيه حياة فالحياة غير الروح. النفس فيها معنى الشيء المحسوس لأن لها علاقة بالنَفَس والحركة. هل النفس هي الروح؟ لا ندري. قوله تعالى ﴿الله يتوفى الأنفس حين موتها ﴾ يمكن ان تكون الروح والتي لم تمت في منامها. يتوفّى: أي يقبضها كاملة غير منقوصة عندما تفارق جسدها أما الموت فهو مجرد مفارقة الروح للجسد والوفاة اشارة الى قبضها وأخذها. وكلام العرب لما يقولون توفى فلان دينه من فلان أي قبضه كاملاً أما مجرد الموت فليس فيه اشارة للقبض. يبقى سؤالان : الأول لماذا استعمل الأنفس ولم يقل النفوس؟ قال الأنفس وهي جمع قِلّة على وزن ﴿أفعُل﴾ لكن جمع القلة إذا اضيف أو دخلت عليه أل الاستغراق ينتقل الى الكثرة بمعنى لكل الأنفس. والفرق بين أل الاستغراق وأل التعريف أن أل التعريف تكون عادة للشيء المعهود فتقول مثلاً هذا كتاب جيّد ثم تقول قرأت الكتاب أي هذا الكتاب المعهود الذي تعرفه. أما أل الاستغراق فليس المقصود منه تعريف شيء معين وإنما للدلالة على شيء عام ( والعصر إن الانسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) الانسان تدل على أنه ليس انساناً معيناً بذاته وانما استغراق الانسان كجنس فيحسب كل انسان أنه خاسر فيتطلع الى الانقاذ فيأتيه الانقاذ في قوله تعالى﴿إلا الذين آمنوا﴾. إذا أريد ذاتاً معينة تكون أل للتعريف كأن تكون لعهد ذهني أو عهد ذكري (يقال سأل عنك رجل ثم تقول رأيت الرجل تقصد به الرجل الذي سأل عنك) عُرِف من العهد المذكور سابقاً هذا العهد الذكري أما العهد الذهني فهو في الذهن حاضر كقوله تعالى ﴿ذلك الكتاب لا ريب فيه﴾ الكتاب اي الكتاب المعهود في الذهن أنه الكتاب المقروء أي القرآن فهو حاضر في الذهن فيسمون العهد الذهني مُخصص. (واستعمال اسم الاشارة ذلك بدلاً من هذا تدل على التمييز ورفع شأنه وهي للاشارة للبعيد أما قوله تعالى (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) استعمال اسم الاشارة هذا للقريب يدل على موطن الحدث الآني). لما دخلت أل الاستغراق على أنفس نقلتها من جمع القلة الى الكثرة أما كلمة نفوس فهي ابتداء للكثرة فلماذا لم تستعمل إذن؟ لما رجعنا الى المواضع التي وردت فيها كلمة أنفس وكلمة نفوس في القرآن الكريم وفق ما جاء في المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم وجدنا أن كلمة أنفس وردت في 153 موضعاً على النحو التالي: معرّفة بأل الاستغراق في ستة مواضع ومضافة في المواضع الأخرى 147 موضعاً وجميعها للكثرة (49 أضيفت الى (كم) و91 أضيفت الى ﴿هم﴾ و4 مواضع اضيفت الى ﴿هنّ﴾ و3 مواضع اضيفت الى ﴿نا﴾). صيغة الكثرة في نفوس وردت مرتين فقط ونسأل لماذا؟ نحن نقول دائماً أن كتاب الله عز وجل ليس من عند بشر والذي يقول أنه من عند محمد  فهو لم يقرأ القرآن الله تعالى عالم أن هذه اللفظة واردة في كتابه 150 مرة وسيقرأها العرب فاختار لهم اللفظ الخفيف ﴿أنفس﴾ للمواطن الكثيرة لأنه أخف من لفظ ﴿نفوس﴾. قد يقول قائل كيف؟ نقول أن الفتحة هي أخف الحركات والضمة أثقلها. وإذا نظرنا في كلمة أنفس ونفوس نجد أن كلمة أنفس فيها مقطعين الأول خفيف وحركته خفيفة ﴿أَن﴾ والثاني ثقيل وحركته ثقيلة ضمة ﴿فُس﴾ أما كلمة نفوس ففيها مقطعين كلاها فيه ضمة ثقيلة الأول (نُ) والثاني مبالغ في ثقلة ﴿فُُوس﴾ فإذن أنفس أخف من نفوس فاستعمل الخفيف للكثرة ونفوس للمرتين . لماذا جاء لفظ الأنفس في موضعين فقط؟ هل هناك فارق دلالي؟ قلنا هذان الموضعان هما موطن الثقل أما المواطن الأخرى فليس فيها ثقل. كلمة أنفس جمع قلة (عادة من 3 الى 10) وجمع الكثرة فيه قولان (من 3 فما فوق يتجاوز العشرة) وهذا ما نختاره ومنهم من يقول من أحد عشر فما فوق لكن من خلال استقراء كلام العرب وجد العلماء أن جمع القلة إذا أضيف أو دخله أل انتقل من القلة الى الكثرة. لم تستعمل كلمة أنفس مجردة من الاضافة أو بدون أل في القرآن (قد جاءكم رسول من أنفسكم) كثرة . وهنا يرد سؤال أجبنا عنه سابقاً لماذا حوّل جمع القلة بادخال أل أو الاضافة ولم يستعمل جمع الكثرة ابتداءً؟ لأن وزن أنفس أخف من نفوس ولكمة أنفس استعملت بكثرة في القرآن فاختير اللفظ الخفيف في جميع القرآن ولم يختر اللفظ الثقيل والخفة والثقل معتبران عند العرب فيرتاح اليه.

ﵟ اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ۖ فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﵞ سورة الزمر - 42


Icon