الوقفات التدبرية

*ما دلالة جميعاً في قوله تعالى في سورة الزمر (وَمَا قَدَرُوا...

*ما دلالة جميعاً في قوله تعالى في سورة الزمر (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67))؟ هذا الكلام على يوم القيامة والصورة التي ترسم صورة هيمنة لله سبحانه وتعالى لا يشركه فيها أحد ولو على سبيل المجاز والتسامح أو الكفر به سبحانه. في حياتنا الآن يمكن أن يقول لك كما قال النمرود لإبراهيم ﴿أنا أحيي وأميت﴾ يدّعي لنفسه شيئاً هو لله سبحانه وتعالى (قال ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت) يقول أنت محكوم بالإعدام فأبرّئه وأنت بريء فأقتله فانتقل إبراهيم إلى مسألة أخرى لا مجال فيها. في الدنيا يمكن أن يكون هناك نوع من الإدّعاء لكن في الآخرة لما يقول الباري عز وجل ﴿وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَة﴾ جميعاً هنا حال الواو هنا واو الحال (والأرض قبضته) مبتدأ وخبر، أي حال كونها مجتمعة بكل جزئياتها بمن فيها ومن عليها ومن فوقها ومن تحتها الأرض جميعاً هذه الكرة. قال ﴿والأرض جميعاً قبضته﴾ هذا كما قلنا وكرّرناه سابقاً : ما يتعلق بالله سبحانه وتعالى، بصفاته وبما يُنسب إليه من مدلولات المسلمون فيه على قولين: منهم من يقول نُمِرّها هكذا وهم الجمهور يعني (والأرض جميعاً قبصته يوم القيامة) معناها: والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة وكفى وافهم منها ما تفهم. وقلت أن الفريقان من أهل العلم والصلاح والتقوى والورع ويسع المسلم أن يأخذ بالقولين ونحن الآن بأمس الحاجة للرأي الآخر (قول التأويل) بسبب ترجمة هذه المعاني: العرب عندما تقول في قبضته أو تحت قبضته يعني هو تحت سيطرته. الآن نحن نستعملها يقال: صار في قبضة العدو ولا تعني القبضة أي جعله في راحته وأغلق يده عليه كلا وإنما تحت سيطرته ، تحت قوته، تحت قدرته بهذا المعنى نفهم ﴿والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة﴾ من غير منازع ولو على سبيل المجاز ولن نجد من يقول كما قال النمرود وأنا شعبي في قبضتي عندي حرس وشعبي في قبضتي. إذا كان من يقولها في الدنيا ففي الآخرة لن تجد من يقولها. ﴿وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ اليمين معناها القوة والقدرة عند العرب ولذلك قالوا: (مِلك اليمين) العرب لما تقول هو ملك يمينه لا يقصدون هذه اليد اليمنى وإنما في ملكه أي في قدرته وتصرفه لا يعنون يده. نهى علماؤنا إذا تكلمنا عن صفات الله سبحانه وتعالى أن نشير بأيدينا مثلاً عندما تقول قلب الرجل بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء لا يجوز أن تشير بأصابعك حتى لا يكون هناك تجسيد وإنما تقول بلسانك شفاهاً فقط. الطيّ معلوم. تطوي الورقة أي تقلب جزءاً على جزء وتجمعها في يدك. أيضاً فيها إشارة إلى معنى المِلك والقدرة والهيمنة الكاملة والسلطة الكاملة. لما يكون الشيء مطوي بيمينك أي تحت السيطرة. فإذن الأرض جميعاً والسموات جميعاً تحت قبضته وقلنا حتى نتبين عظم الصورة كل هذا الكون المنظور تحت السماء والأولى ﴿ولقد زينا السماء الدنيا﴾ حيثما كانت النجوم هي في السماء الدنيا كيف هي السماء الدنيا؟ لا ندري. الدكتور عبد المحسن صالح وهو أستاذ في جامعة الإسكندرية قال في كتباه "هل لك في الكون نقيض؟"وهو في علم الفلك هذا الكتاب، يقول تخيّل لو جمعت الأرض والكواكب والشمس وجُعلت كتلة واحدة أمكن أن تدفن في قشرة واحد من النجوم فتخيل عظمة ذلك النجم وتخيل من نحن حتى نفكر بذات الله سبحانه وتعالى وعظمته. وأذكر الذي كان يدرس على شيخه فأخذ ورقة وبدأ يقلب فيها وشيخه كان فيه كِبر قال الشيخ للتلميذ: ما تصنع؟ قال أريد أن أرى الأرض لملك الله، قال كهذه النقطة. فصار يقلّب فقال: ماذا تفعل؟ قال أفتش عنك يا سيدي. فكانت له بها عبرة. الآية لا توحي بأي إشارة للتجسيد ولذلك قال تعالى ﴿سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ ينزّه الباري عز وجل عما يشركون.

ﵟ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﵞ سورة الزمر - 67


Icon