الوقفات التدبرية

*في سورة الزمر (وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ...

*في سورة الزمر (وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (70)) العمل جاء بصيغة الفعل الماضي وجاء فعل يفعلون بصيغة المضارع وهو يفيد الاستمرار والمستقبل فما الفرق بين العمل والفعل؟ ولماذا جاء العمل بصيغة الماضي بينما الفعل بصيغة المضارع؟ الفعل والعمل سبق أن جاءت مناسبات وتعرضنا وقلنا العمل الأصل فيه أن يكون بقصد والفعل عام يصدر بقصد أو بغير قصد يصدر عن العاقل وغير العاقل عن الجماد والحيوان والإنسان، الفعل عام فعل الرياح، فعل الأنهار. العمل الأصل فيه أن يكون عن قصد فأكثر ما يكون للإنسان وقلما ينسب إلى حيوان، عموم العمل. إذن الفعل أعم والعمل أخص. (وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (70)) هذا حساب، هو ختم الآية بالفعل ليدل على أنه سبحانه يعلم الفعل والعمل يعني يعلم ما فُعِل بقصد وما فُعل بغير قصد وعلمه ليس مختصاً بالعمل وإنما علمه يشمل العمل ويشمل الفعل ما فُعِل بقصد وما فُعِل بغير قصد يعلمهما جيمعاً. الفعل بقصد و بغير قصد والعمل بقصد والتوفية الحساب يكون عليه فلو قال (أعلم بما يعملون) سيكون العلم فقط يشمل الذي بقصد لكن لما قال ﴿وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ﴾ يعني ما فُعل بقصد أو بغير قصد يعلمهما معاً يعلم دواعي النفس هل هذا فُعِل بقصد أو فُعِل بغير قصد ولهذا قال ﴿وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ﴾ فجمع العلم ما وُفّي بعمله وما عُمل بغير قصد هذا صار أشمل يشمل العمل وغير العمل. يبقى السؤال الآخر (عملت ويفعلون، الماضي والمضارع) جرت الآية في ذكر أحوال الآخرة قال (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (69)) هذه في الآخرة إذن (وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ (70)) في الدنيا ما سبق لها أن عملت في الدنيا. لما كان الكلام في أحوال الآخرة قال ﴿مَّا عَمِلَتْ﴾ سابقاً في الدنيا وإلا كيف تعمل بالآخرة؟! ﴿وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ﴾ هذا الكلام عن الآخرة سبقه الكلام عن الدنيا في الإخبار عن الآخرة قبلها قال (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)) الكلام في الدنيا، في الدنيا أخبر عما يجري في الآخرة ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾ في الدنيا ﴿وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ في الدنيا، إذن هو يخبر عما سيجري في الآخرة إذن لما كان الكلام عن الآخرة ﴿وَوُفِّيَتْ﴾ قال ﴿مَّا عَمِلَتْ﴾ الآن إلتفت إلى الدنيا التي بدأ بها إذن هذه فيها التفات إلى الدنيا ﴿وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ﴾ لأنه صار الآن كلام في الدنيا إخبار عن الآخرة فما جاء في الآخرة قال ﴿مَّا عَمِلَتْ﴾ ولما التفت إلى الدنيا قال ﴿وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ﴾ حتى الآن ينتبهون هذا اسمه إلتفات إلى السياق الأول لأن السياق في أمرين في الدنيا في الإخبار عن الآخرة ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ ثم في الآخرة فلما ذكر سياق الآخرة قال ﴿مَّا عَمِلَتْ﴾ ثم التفت إلى الدنيا إلى هؤلاء حتى ينصحهم حتى يتعظوا. إذن الفعل هنا يناسب الزمن الذي يعبر عنه أو يصوّره.

ﵟ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ ﵞ سورة الزمر - 70


Icon