الوقفات التدبرية

*(وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ (80)...

*(وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ (80) الأنعام) و (مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (4) السجدة) و (وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا مَّا تَتَذَكَّرُونَ (58) غافر)، (مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ (24) هود) فما الفرق بين تذكرون وتتذكرون؟ ذكرنا في أكثر من مناسبة في القرآن ضابط ليس فقط في هذين الفعلين وإنما تعبير عام وذكرنا في حينها أنه يحذف من الفعل مثل استطاعوا واسطاعوا للدلالة على أن الحدث أقل مما لم يحذف منه، إذا حذف معناه أن الزمن المحذوف منه أقصر يقتطع للدلالة على الاقتطاع من الحدث. وإذا كان المقام مقام إيجاز يوجز وإذا كان المقام تفصيل يقول تتذكرون. هذه قاعدة مثل تتوفاهم وتوفاهم، تفرقوا وتتفرقوا وفي القرآن هذا كثير وهو أمر عام. نأتي إلى أصل السؤال وفق هذه القاعدة أنه إذا كان الحدث أطول تأتي تتذكرون وإذا كان أقل يقتطع من الفعل أو إذا كانت في مقام الإيجاز يوجز وفي مقام التفصيل يفصل. مثال: (مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ (24) هود) لو سألنا أي واحد مهما كانت ثقافته تقول له هل الأعمى يستوي مع البصير؟ والأصم هل يستوي مع السميع؟ سيقول مباشرة لا، إذن لا يحتاج إلى طول تذكر وإنما يجيب مباشرة. هل يستويان؟ لا، هذا لا يحتاج إلى طول تذكر فقال ﴿أفلا تذكرون﴾. (وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا مَّا تَتَذَكَّرُونَ (58) غافر) هنا صار إيمان وعمل صالحات، إيمان وعمل صالح ﴿قليلاً ما تتذكرون﴾ لأن دخل به إيمان وعمل صالح والمعنى أنه الذي لم تؤمن ولم تعمل صالحاً هذه قضية أخرى، هذه أطول من تلك تحتاج إلى تأمل وتفكير والرسول يدعو طويلاً إلى الإيمان والعمل الصالح واتهموه بالجنون، إذن هذه تتذكرون لأنها تحتاج إلأى طول تذكر. (أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (17) النحل) سل أي واحد سيقول لا هذه لا تحتاج إلى تذكر، (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23) الجاثية) ختم على سمعه وبصره غشاوة وأضله على علم لا تحتاج إلى طول تفكر. نضرب مثالاً آخر للإيجاز والتفصيل قال تعالى في السجدة (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (4) يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5)) في يونس قال (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (3)) إحداها تتذكرون والأخرى تذكرون. قال في يونس ﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾ وفي السجدة قال ﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾ لم يقل (ما بينهما) في يونس. في يونس قال ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ﴾ فقط وفي السجدة ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾ فالسجدة فيها تفصيل أكثر. قال في يونس ﴿مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ﴾ وفي السجدة قال ﴿مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ﴾ في السجدة تفصيل أكثر. سؤال: هل حرف التاء يعطينا فكرة عن هذا الوقت المستنفذ لاتمام العمل الذي تذكره الآية الكريمة؟ لو كان المتكلم هكذا يقول كما يشاء لكن لو كان المتكلم يحسب لكل كلمة ولكل حرف حساباً لا بد أن يفعل ذلك لسبب. سؤال: هل العرب كانت تفهم تذكرون وتتذكرون؟ هم يعرفون معناها عند وضعها في مكانها. لماذا تحداهم الله تعالى بسورة؟ سورة يعني أقصر سورة معناه بمقدار أقصر أي سورة يصير اختيار في الكلام ، الكلمة ليس فيها اختيار لكن النص بمقدار أقصر سورة يصير فيه اختيار، سبب الاختيار عليه المعول مثل (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1)) لماذا إنا؟ ولماذا أعطيناك؟ يبقى توظيف المفردة في سياق الآية. المعروف أن العرب بلغاء لكنه ليس بالضرورة أن يأتوا بالبلاغة في كلامهم، هل كلهم على مستوى واحد من البلاغة؟. أنا أقول شعراً لكن هل شعري مثل شعر المتنبي؟ هل الشعر الذي يقوله المبتديء كالبحتري؟ هم درجات. سؤال: لكن من حيث الدلالة والمعنى كانوا يفهمون الفرق بين تذكرون وتتذكرون، توفاهم وتتوفاهم؟ يفهمونها هذا في سياقها ويفهمون أكثر مما نفهم نحن لأن هذه لغتهم ونحن الآن نتعلم وهم لم يشكوا في مصداقية القرآن (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ (33) الأنعام) (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14) النمل).

ﵟ وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ ۚ قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ ﵞ سورة غافر - 58


Icon