الوقفات التدبرية

آية (47): *ما الفرق بين قوله تعالى (ولا يُنزِفون) في سورة الواقعة...

آية (47): *ما الفرق بين قوله تعالى ﴿ولا يُنزِفون﴾ في سورة الواقعة وقوله ﴿ولا هم عنها ينزَفون﴾ في سورة الصافات؟(د.فاضل السامرائى) قال تعالى في سورة الواقعة (لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنزِفُونَ {19}) وفي سورة الصافات (لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ {47}). وكلمة يُنزفون من أنزف لها معنيين: أنزف يُنزف بمعنى سكِر وبمعنى نفذ شرابه وانقطع، ويقال أنزف القوم إذا نفذ شرابهم وهو فعل لازم غير متعدي. ويُنزف فعل متعدي معناه سكِر وذهب عقله من السكر. إذا استعرضنا الآيات في السورتين لوجدنا ما يلي: سورة الواقعة سورة الصافات وردت يُنزفون في السابقين وشرح أحوال السابقين وجزاؤهم ونعيمهم في الجنّة. وفي الجنة صنفين من أصناف المؤمنين السبقون وهم قِلّة وفي درجات عليا وردت في عباد الله الآخِرين وهم أقلّ درجة من السابقين. ذكر (وفاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون) في الآية تخيير وزيادة لحم طير (أولئك لهم رزق معلوم فواكه وهم مكرمون) لا يوجد تخيير هنا (أولئك المقربون في جنات النعييم) التقريب هو الإكرام وزيادة ﴿وهم مكرمون (42) في جنات النعيم(43)﴾ (على سرر موضونة متكئين عليها متقابلين) التنعّم هنا أكثر : موضونة، إتّكاء، تقابل ﴿على سرر متقابلين﴾ لم يذكر إلا التقابل فقط ﴿يطوف عليهم ولدان مخلدون﴾ تحديد الولدان المخلدون ﴿يُطاف عليهم﴾ الفاعل مبني للمجهول ولم يُحدد ﴿بأكواب وأباريق وكأس من معين﴾ زيادة وتنويع في الأواني لتنوع الأشربة ﴿بكأس من معين﴾ كأس واحد فقط ﴿لا يصدّعون عنها ولا يُنزفون﴾ لا يصيبهم صداع ونفي الصداع نفي لما هو أكبر وهو الغول. والآية تدل على أن خمر الجنة لا تُسكر ولا ينقطع الشراب فالتكريم هنا أعلى من سورة الصافات. (لا فيها غول ولا هم يُنزفون) الغول إما للإفساد والإهلاك وإما اغتيال العقول، لا تهلك الجسم ولا تفسده ولا تسكره. ونفي الغول لا ينفي الصداع. وإذا كان المقصود بالغول إفساد العقول فالغول وينزفون بمعنى واحد لكن الأول يكون صفة المشروب والثانية صفة الشارب (حور عين كأنهم لؤلؤ مكنون) ذكر صنفين والوصف هنا جاء أعلى ﴿وعندهم قاصرات الطرف عين﴾ صفة واحدة من صفات حور الجنة ﴿بيض مكنون﴾. (لا يسمعون فيها لغواً ولا تأثيما إلا قيلاً سلاماً سلاما) نفي لسماع أي لغو ولم ترد في الصافات لم يرد شيء عن نفي سماع اللغو ﴿يطوف عليهم﴾ بما أن يُنزفون مبنية للمعلوم ناسب أن يقال ﴿يطوف عليهم﴾ مبنية للمعلوم أيضاً ﴿ينزفون﴾ مبنية للمجهول فناسب أن يقال ﴿يُطاف عليهم﴾ مبنية للمجهول. ففي سورة الواقعة إذن دلّ السياق على الإكرام وزيادة والسُرر وزيادة والكأس وزيادة والعين وزيادة ونفى السُكر وزيادة ونفى اللغو وزيادة. *ما الفرق بين النفى ب﴿ما﴾ و﴿لا﴾؟(د.فاضل السامرائى) لا النافية للجنس يقولون هي جواب لـ ﴿هل من﴾ يعني كأن سائلاً سألك هل من رجل في الدار؟ فتقول له لا رجلَ في الدار، هذه إجابة على سؤال ﴿هل من؟﴾ لما تقول هل رجلٌ في الدار؟ جوابه لا رجلٌ في الدار (لا هنا نافية) ولما تقول هل من رجلٍ في الدار؟ جوابه لا رجلَ في الدار (هذه لا النافية للجنس). ﴿من﴾ زائدة لاستغراق الجنس، هل رجل يحتمل واحداً أو أكثر أما هل من رجل ينفي الجنس لا رجل ولا اثنان ولا أكثر، هذه قاعدة مقررة. إذن لما تقول هل رجلٌ في الدار جوابه لا رجلٌ في الدار و﴿لا﴾ هنا نافية، هل من رجل في الدار تجيبه لا رجلَ في الدار، هذا مقرر في اللغة وهنا ﴿لا﴾ نافية للجنس. فإذن لما تقول لا رجلَ هو جواب لـ﴿هل من﴾؟، هذه جواب سائل. أما ما من رجل في الدار هذا ليس جواب سائل وإنما رد على من قال لك إن في الدار رجلاً. لا النافية للجنس إجابة على سؤال وما من رجل رد على قول إن في الدار رجلاً. لا رجلَ إعلام لسائل وإخبار عن شيء لا يعلمه أو جواب عن سؤال، أما ما من رجل فهو رد على قول. مثال (لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ إِلَـهٌ وَاحِدٌ (73) المائدة) (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8) البقرة) (وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ (13) الأحزاب) هذه رد، (وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ (78) آل عمران) (وَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ (56) التوبة) هذا رد. بينما (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ (256) البقرة) هذا تعليم وليس رداً على قول، (ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) البقرة) هذا أمر، (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ (19) محمد) هذا إخبار. الفرق الثاني أنه بـ ﴿ما﴾ هذه و﴿من﴾ نستطيع نفي الجنس بـ(ما متصلة ومنفصلة)، بمعنى أني لا أستطيع أن أنفي بـ (لا النافية) إذا كان منفصلاً، لا أستطيع أن أقول لا في الدار رجل، يمكن أن أقول لا في الدار رجلٌ لا يمكن أن ننفي الجنس هنا وتكون ﴿لا﴾ هنا مهملة (لَا فِيهَا غَوْلٌ (47) الصافات). أما ﴿ما﴾ فيمكن أن تكون متصلة أو منفصلة (فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ (100) الشعراء) (مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ (59) الأعراف) لا يمكن أن نقول لا لكم من إله غيره. فإذن ﴿ما﴾ تكون أوسع في نفي الجنس. إذن هنالك أمران أن ﴿لا﴾ جواب عن سؤال وإخبار وإعلام و﴿ما﴾ رد على قول و ﴿ما﴾ هي أوسع استعمالاً لنفي الجنس من ﴿لا﴾. إذن هنالك لا النافية للجنس و ﴿ما من﴾ ما تُعرب نافية لأن الجنس يأتي من ﴿من﴾ ولا يأتي من ﴿ما﴾ والتركيب ﴿ما من﴾ نافية للجنس، ﴿من﴾ تسمى من الاستغراقية ونعربها زائدة لكن معناها استغراق نفي الجنس.

ﵟ لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ ﵞ سورة الصافات - 47


Icon