الوقفات التدبرية

*(وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا...

*(وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7) القصص) (إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (38) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ (39) طه) فما الفرق بين الآيتين؟ وما الفرق بين ألقيه واقذفيه؟(د.فاضل السامرائى) لم يحدث تناقض، القذف هو إلقاء. نقرأ جزءاً من السياق حتى يتضح الأمر، الأولى في سورة طه (وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى (37) إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (38) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39))، في سورة القصص (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7)) (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10)) القذف هو الرمي والإلقاء والوضع ومن معانيه البُعد ويأتي بمعاني قد يكون بمعنى الإلقاء، القذف له معاني يقولون مفازة يعني قذف، مفازة بمعنى صحراء. أولاً نلاحظ في القصص قال ﴿وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي﴾ ولم يقل هذا الكلام في طه ﴿أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ﴾ ثم ذكر أنه ربط على قلبها ﴿لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا﴾، كل هذه كونها لا تخافي ولا تحزني وربطنا على قلبها هذا يستدعي الهدوء في الإلقاء، ربط على قلبها إذن هي تضعه في هدوء، ثم قال ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ﴾ والإرضاع يستدعي القرب وليس البعد. في سورة طه لم يذكر هذه الأمور لا ربط على القلب ولا شيء ولا تطمين. في طه ذكر التابوت ﴿أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ﴾ لم يذكر أن الرضيع يلقى في اليم وإنما التابوت هو الذي يقذف، ﴿أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ﴾ الضمير يعود على موسى ، ﴿فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ﴾ الضمير يعود على التابوت، إذن موسى محمي، في القصص قال ﴿أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ﴾ التابوت يُقذف يقال لها اقذفي التابوت ولكن التابوت محمي لم يقل اقذفيه في اليم. التابوت يقذف ويرمى أما الإبن فيقال لها ألقيه لا يقال لها اقذفيه، فلما ذكر التابوت ذكر القذف. سؤال: هل قال اقذفيه أو ألقيه؟ ما الذي حدث؟ سيحصل إلقاء في الحالتين لكن مرة ذكر التابوت ومرة لم يذكر هذا بحسب السياق وليس هناك تناقض، في القصص نحن أحياناً نذكر أموراً ونضيف عليها، في سفرة من السفرات أذكر أموراً وفي موطن آخر أذكر جوانب أخرى أقل. هذا يحصل كثيراً، أذكر جانب ولا أذكر جانباً آخر. يذكر التابوت في موطن وموطن آخر لا يتكلم عنه. سؤال: طالما ذكر التابوت إذن قطعاً هناك تابوت وإذا أغفل ذكره فلأن السياق يقتضي ذلك. هذا أمر والأمر الآخر من الناحية البيانية قال في سورة طه (إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (38)) لم يذكر ما يوحى، الآن مبهمة، ﴿أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ﴾ بيّن إذن صار بيان بعد الإبهام (إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (38)) (فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (28) طه) "مضى بها ما مضى من عقل شاربها"، لا يذكر. (إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (38)) ما ذكر الذي أُوحيَ به ثم جاء بـ ﴿أن﴾ المفسرة ﴿أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ﴾ بيّن ما أوحى إليها، إذن صار إيضاح بعد الابهام، بيان بعد الابهام هذه ﴿أن﴾ المفسّرة. ﴿أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ﴾ الآن عندما ترى تابوتاً مقفلاً متى تعلم ما فيه؟ عندما تفتحه، يصير إيضاح بعد الإبهام بعد الفتح. من الناحية البيانية إيضاح بعد الإبهام في الأمر وإيضاح بعد الإبهام في المسألة. إذن من الناحية البيانية هناك تناسب كلاهما إيضاح بعد الإبهام. ثم هناك أمر، القذيفة في اللغة شيء يُرمى به فكان موسى في سورة طه قذيفة رمي بها فرعون قُذِفت في البحر فأغرقته. ولذلك لما نلاحظ العقوبة التي ذكرها في كلتا القصتين متناسبة مع ﴿اقذفيه﴾. قال في خاتمة فرعون في القصص (فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ (40)) ألقيناهم لكن بمهانة (فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ (7) القصص) ﴿فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ﴾ كلها إلقاء. في فرعون (فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (28) طه) قذيفة ألقيت في البحر عليهم فغشيهم من اليم ما غشيهم، فكان قذف أبلغ في التعبير كأن موسى هو الكبسولة والتابوت هو القذيفة فقذف بها فرعون فأهلكته. لا يناسب أن يقال ألق ابنك في البحر ولكن ألقي التابوت. سؤال: قد يرى أحدنا تعارضاً أو تناقضاً بين القولين، ماذا قال تحديداً؟ أحياناً العبارة الواحدة التي تقال نصوغها بكلمة بيانية إذا قلت جاء فلان أو أتى فلان، هل تناقضت؟ القرآن من هذا القبيل لكن يستعمل اختيار الكلمة في المكان البياني لها لكن نقول لماذا قال مرة جاء ومرة أتى؟ نقول لماذا وسترد أمثلة في بعض القصص نذكرها لكن هذا مرتبط بالسياق العام السورة نفسها وأحياناً السورة نفسها لها سمة معينة. سؤال: إذن بعض الأصوات التي تنعق في الظلام الدامس بأن هنالك تناقض في القرآن وأن القرآن غير منضبط ما فهموا القرآن وما فهموا اللغة. يعني لو قلت لم يقل هذا وأنفي المسألة يكون هناك تناقض لكن أن يقول العبارة بتعبير آخر لا يعني وجود تناقض. ربنا تعالى يترجم كلامهم مرة يقوله بأسلوب ومرة يقوله بأسلوب. لو كنت أترجم قصة كل مرة أصوغها بعبارة مختلفة لكن ليست متناقضة، قد أقول غاب عني أو أقول لم يحضر. لو كنت إنساناً بليغاً لا تختار إلا الأنسب من الكلمات لكن المعنى العام ليس فيه تناقض. التناقض يكون أن تذكر شيئاً مخالفاً. قصة موسى أحياناً تأتي بآية واحدة وفي مواطن تأتي بآيات مختلفة. أحياناً يقول لموسى وهارون إذهبا ومرة يقول اذهب إلى فرعون، هو يقول لهما ويقول للواحد، ومن أدرانا أن الخطاب كان مرة واحدة؟ ربما يكون هناك خطاب مرتين أو يكون في موقف واحد أخاطب الاثنين ثم أتوجه إلى أحدهما وأطلب منه أن يفعل كذا. وعندما تحكي يجوز أن تفضل مرة تقول إفعلا ومرة إفعل.

ﵟ أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ ۚ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي ﵞ سورة طه - 39


Icon