الوقفات التدبرية

*(إِنَّ هَـذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ...

*(إِنَّ هَـذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ اللّهُ (62) آل عمران) لو قلنا: هذا القصص الحق لتمّ المعنى المراد فما فائدة دخول ﴿إنّ﴾ والضمير ﴿هو﴾ في قوله تعالى ﴿إن هذا لهو﴾؟ ﴿ورتل القرآن ترتيلاً﴾ دخول الحرف المشبه بالفعل ﴿إنّ﴾ يفيد تأكيد الجملة وقد زاد تأكيدها بدخول ضمير الفصل ﴿لهو﴾ الذي يفيد التوكيد والقصر وما ذاك إلا لزعزعة ثقة أصحاب المِلل بدينهم. فكأن الله تعالى يقول لهم إن هذا هو القصص الحق وحده لا ما تقصّه كتب أصحاب المِلل الأخرى وعقائدهم. حتى تسمية ضمير الفصل قالوا يفصل الخبر عن الصفة وهذا أصل التسمية، أصل التسمية حتى يعلم أن الذي بعده خبر وليس صفة لأنه أحياناً يأتي السائل أن هذا صفة وبعده خبر، ﴿إِنَّ هَـذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ﴾، هذا القصص الحق يحتمل أن يكون القصص بدل فيها إلتباس فإذا أردنا أن نجعل القصص هو الخبر وليس الصفة نقول هذا هو القصص والحق تكون صفة وإذا أردنا أن نقرر أن حتماً القصص ليس خبراً نقول هذا القصص هو الحق يكون الحق هنا خبر للقصص، القصص بدل لهذا، هذا أصل التسمية حتى يفصل وأن ما بعجها خبر وليس صفة، هذا أصل التسمية ثم ذكر له فوائد في الغالب القصر الحقيقي أو الإدعائي (تدعي أن فلان شاعر مثلاً وهو ليس بشاعر) أو التوكيد. أما في قوله تعالى ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ هذا ضمير الشأن وليس ضمير الفصل. ضمير الفصل على الأرجح ليس له محل من الإعراب، نقول هو ضمير مبني ونعده حرفاً وهذا من أشهر الأقوال لأنه لو كان إسماً يذكر له محل من الإعراب، في أشهر الأقوال أنه حرف لا محل له من الإعراب. *ما فائدة ﴿من﴾فى قوله تعالى (وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ اللّهُ (62) آل عمران)؟ (د.فاضل السامرائى) هذه تسمى في اللغة مِنْ الاستغراقية التي تستغرق كل ما دخلت عليه. (وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ اللّهُ (62) آل عمران) استغرقت جميع الآلهة. (أن تَقُولُواْ مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ (19) المائدة) تستغرق كل ما دخلت عليه. لما تقول ما جاءني رجل فيها احتمالين أنه ما جاءك رجل وإنما رجلين أو أكثر وما جاءني رجل أي واحد من هذا الجنس أما ما جاءني من رجل تستغرق الجنس بكامله لم يأتك لا واحد ولا أكثر من هذا الجنس. ما أصاب من مصيبة أي أي مصيبة كبيرة أو صغيرة لم يشذ عنها مصيبة واحدة فيما يحدث في كل الدنيا لا يمكن أن تقع مصيبة إلا وهي مدونة في كتاب وخارج الكتاب لا تقع وهذا على سعة علم الله وإحاطته بالأشياء صغيرة أو كبيرة حيثما وقعت هي مدونة مكتوبة في كتاب من قبل أن تقع. *ما الفرق بين الرُشد والحق؟ (د.فاضل السامرائى) الحق ليس مناقضاً للرُشد ولا الرُشد مناقضاً للحق. الحق أعم من الرُشد، يعني يوصف بالحق أحياناً ما لا يوصف بالرشد ويُخبر عنه بما لا يخبر بالحق يعني (فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا (6) النساء) هل يمكن أن يقال آنستم منهم حقاً؟ كلا. (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقّ (61) البقرة) (إِنَّ هَـذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ (62) آل عمران) (وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ (86) آل عمران) (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ (27) المائدة) كلها لا يصح فيها الرُشد، الحق أعم من الرشد (إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ (57) الأنعام) لا يصح أن يقال يقص الرُشد، (ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ (62) الأنعام) (فَذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ (32) يونس) الحق أعمّ. وهذا أول فرق بين الحق والرشد أن الحق أعم وأنه يُذكر في أمور لا يصح فيها ذكر الرُشد. الأمر الآخر أن الرُشد لا يقال إلا في العاقل العاقل يوصف بالرُشد أما الحق عام، نقول القتل بالحق، هذا المال حق لك، إذن الله هو الحق، الجنة حق والنار حق. هنالك أمران حقيقة: أولاً الحق أعمّ من الرُشد يُخبر به عن الإنسان وغيره ومن ناحية اخرى الرُشد خاص بالعاقل، إذن الرشد قسم من الحق وليس الحق كله، كل رشد هو حق لكن ليس حق رشداً باعتبار الحق أعمّ.

ﵟ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ ۚ وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إِلَّا اللَّهُ ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﵞ سورة آل عمران - 62


Icon