الوقفات التدبرية

*ما دلالة الظنّ في قوله تعالى (قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم...

*ما دلالة الظنّ في قوله تعالى ﴿قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾؟ قال تعالى (قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ {249}) الظن عند أهل اللغة درجات ويترفع إلى درجة اليقين. والظن هو علم ما لم يُعاين (أي علم ما لا تبصره) لا يمكن أن نقول مثلاً: ظننت أن الحائط... فهما كان متيقناً لا يضن مكر الله فالظنّ أبلغ من اليقين هنا يوقن باليوم الآخر لكن هل يمكن أن يوقن أنه يلقى ربه على ما هو عليه من إيمان. بالطبع لا يمكن. * ما اللمسة البيانية في قوله تعالى في سورة البقرة ﴿إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ﴾ ولماذا جاءت صيغة الطعام مع النهر الذي فيه شراب؟ أولاً ما معنى طعِم؟ لها في اللغة دلالتان فتأتي بمعنى أكل أو ذاق نقول عديم الطعم أي المذاق. ليس بالضرورة أن تكون طعِم بمعنى أكل لأنها كما قلنا تأتي بمعنى ذاق. وقوله تعالى (فمن لم يطعمه) لا تعني بالضرورة أنه أكل لكن لماذا اختار ومن لم يطعمه ولم يقل ومن لم يشربه؟ قال تعالى (فمن شرب منه فإنه مني) لأن الماء قد يُطعم إذا كان مع شيء يُمضغ: شيء تمضغه تشرب ماءً فأصبح يُطعم الآن فهذا ممنوع لأنه لو قال لم يشربه جاز أن يطعمه مع شيء آخر يعني يأكلون شيئاً ويمضغون فيشربون الماء بهذا يكون انتفى الشرب لكن حصل الطعم فأراد تعالى أن ينفي هذه المسألة. ﴿فمن شرب منه فليس مني﴾: شراب فقط بدون طعام كما نشرب الماء. ﴿لم يطعمه﴾: لو قال لم يشربه جاز له أن يطعمه فأراد أن ينفي القليل وبالتالي ينفي الكثير. إلا من اغترف غرفة بيده: هذه استثناها ﴿غرفة بيده﴾ ولو قال يطعمه لم تستثنى هذه يكون له ما يشاء. لكن ألا تدخل هذه في نطاق الطعام؟ إنه يطعم الماء ليتذوقه الآن تذوقه بهذا القدر ليس له الزيادة التي أباحها الله فيه ولو قال لم يطعمه اتّسع القدر يأكل مع الطعام. * ما دلالة استخدام ﴿نَهَر﴾ في الآية (فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ (249) البقرة) ولم يقل نهْر بتسكين الهاء؟ هما لغتان نهَر ونهْر والقرآن استعمل نَهَر ولم يستعمل نَهْر أبداً، ما استعمل كلمة نهْر. والنَهَر جمع أنهار ويستعمل أحياناً الجنس الواحد على الكثير. النَهَر واحد الأنهار والنهْر واحد الأنهار أيضاً. * ما الفرق بين الطاقة والقِبَل (قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ (249) البقرة) و (فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا (37) النمل)؟ الطاقة القدرة والقِبَل القدرة على المقابلة والمجازاة على شيء تقول أنا لا قِبَل لي بكذا ولذلك ﴿لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا﴾ أي لا قدرة لهم عليها، لا قدرة لهم على المقابلة، لا قدرة لهم على مقابلتها بينما هم أصحاب قوة. ﴿لا قبل لهم بها﴾ هذا كلام سليمان، جماعة بلقيس قالوا (قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ (33)) أي عندهم قوة وعندهم بأس في الحرب يستطيعون المقابلة. ﴿فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا﴾ أي لا يستطيعون أن يقابلونا من البداية.أما في الثانية ﴿قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ﴾ أي ليس عندنا قوة ولا قدرة أصلاً. الأولون قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده هم اصلاً ليس عندهم قوة. *ما الفرق بين الظن واليقين؟وما دلالة ﴿يظنون﴾ فى الآية؟ اليقين ترتقي إلى درجة العلم، نذكر مثلاً في القرآن الكريم (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20) الحاقة) هل كان شاكّاً؟ لا. (قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ (249) البقرة) يظنون يعني موقنون بلقاء الله تعالى. الظنّ درجات هو هكذا يعتري من دون أي دليل يظن ثم يقوى بحسب الأدلة إلى أن يصل إلى اليقين لكن أهل اللغة يقولون أن الظن هو علم ما لم يُبصر ما يقول ظننت الحائط مبنياً الأشياء التي تُرى وتُبصر لا يقال ظنّ، الظن علم ما لم يُبصر أنت توقن لكن ليست الأشياء المبصَرة لا تقول أظن أن الحائط مبنياً وهو أمامك لا يصح هذا التركيب لكن تقول أظن أن وراء الحائط فلان، هذا أمر آخر يجوز فيه الظن لكن شيء تبصره وتقول أظنه هذا لا يصح ولذلك هم قالوا الظن درجات حتى يصل إلى اليقين.

ﵟ فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ ۚ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ ۚ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ ۚ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﵞ سورة البقرة - 249


Icon