الوقفات التدبرية

قال تعالى (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ...

قال تعالى (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴿256﴾ البقرة) وفي لقمان يقول عز وجل (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴿22﴾ لقمان) ليس فيها لا انفصام لها. مرة ﴿بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا﴾ ومرة ﴿بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾ فقط بدون لا انفصام لها كيف؟ مع أن العروة عادة الوثقى هو لكل شيء مكان تحمله منه ولكل شيء آلة تتمسك بها من الوقوع أو الهلاك يعني مثلاً ركاب في سفينة وجاءتها عاصفة في يومٍ عاصف ولكي لا يتطاير الناس في البحر كل واحد تمسك في مكان إما في حبل أو في زردة أو في حلقة من الحلقات الحديدية يتمسك بها حتى لا يطيره الهواء هذه هي العروة الوثقى عروة وثيقة جداً. فرب العالمين عز وجل يشبه هذا الدين ببناء كبير ولا بد أن تتمسك فيه بعروة لماذا؟ لأن العواصف حولك لا حدود لها، إبليس هذا شغله هذا الشيطان كل همه أنه يراكم هو وقبيله يحاول أن يرخي يديك من التمسك بهذه العروة بفسقٍ أو فجورٍ أو بدعة أو طائفية أو كفر أو زندقة والتاريخ مليء كل الأديان السماوية تاريخ الذين تمسكوا بعروة ثم أفلتوها وانحرفوا وصاروا بفكر آخر وطائفية أخرى وأضلوا الناس والقرآن يحدثنا عن هذا في بني إسرائيل في التوراة والإنجيل والقرآن وإلى هذا اليوم نحن نعاني من هؤلاء معاناة على امتداد التاريخ ما خلا جيل من طائفة تحاول أن ترخي يديك عن هذه العروة الوثقى التي أنت متمسك بها ومتى ما ارتخت يداك هلكت تخطفتك الطير (فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ ﴿31﴾ الحج) حينئذٍ هذه العروة الوثقى مرة قال ﴿لا انفصام لها﴾ ومرة قال فقط (العروة الوثقى) بدون لا انفصام لها معناها تنفصم. عندنا تنفصم وتنقسم وتنفصل معروفة ،تنفصم يعني أنت يدك هي التي انفصمت عن العروة التيار قوي السحب قوي سحبوك فيدك لم تتحمل هذا الضغط فانفتحت يدك فانفصمت عنها. هناك انقسمت من شدة تمسكك أنت بهذه الحلقة بهذه العروة انكسرت هي انكسرت هذا انقسم. وانفصل بدون عنف أنت رأسا تركته والتاريخ ملئ بهذا و بهذا و بهذا كل دعاة الشر هؤلاء شياطين يحاولون أن يجعلوك تنفصم عن هذه العروة الوثقى وهي الإسلام كما قال الرسول صلى الله عليه و سلم. إذن هذه العروة الوثقى نوعين نوع هو العقيدة لا اله إلا الله كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه احمد و غيره شخص رأى رؤيا متمسك فقال له النبي هذه العروة هي الإسلام فتمسك بها ماحييت إلا أن يدركك الموت وأنت عليها وهي لا اله إلا الله. هذه لا انفصام لها رب العالمين يشهد أن من تمسك بالعروة الوثقى - وهو يقول قبلها لا إكراه في الدين - فهي قضية إيمان وكفر إذا شخص يعبد الأوثان أنت لماذا تكرهه؟ فقط قل له اترك الأصنام واعبد الله واحد إذا جاء وقال لا اله إلا الله بهذه القولة سوف يبقى عليها إلى يوم القيامة ولن ينفصم عنها هذا من تمسك بالعروة الوثقى التي هي لا اله إلا الله الإسلام نفسه عندما نزل رب العالمين قال إن المشرك إذا صار مسلما لن يرجع عنه أبدا ولهذا قال صلى الله عليه وسلم (لا أخشى عليكم أن تشركوا بعدي ولكن أخاف عليكم أن تفتح عليكم الدنيا فتنافسوها فتهلككم) . الآية الثانية في سورة لقمان وهذا الخطاب للمسلمين في الأولى خطاب لغير المسلمين قال ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ لا تكره هؤلاء المشركين الذي يريد أن يسلم حياه الله، في الثانية يخاطب المسلمين ﴿وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾ وهو محسن أي رجل تقي صالح مصلي الخ محسن في صلاته في صيامه في زكاته فهو ليس عابد بل عابد بإحسان بشكل جيد هذا استمسك بالعروة الوثقى فقط ما قال لا انفصام لها قد تنفصم كلنا ما في أحد في هذه الدنيا إلا وفي يوم من الأيام ارتكب ذنباً مع كونه من المحسنين. إذاً لا نزال في العروة الوثقى في الأولى يتحدث عن العروة الوثقى التي هي الإيمان بالله الواحد الأحد لا إله إلا الله هذه الآية تقول هذه العروة لا انفصام لها هذا واحد وهذا واقع الحال. الثانية العمل العروة الوثقى الثانية العمل وليس التوحيد العبادات والحلال والحرام الحلال كله هذا ما قال لا انفصام لها قد تنفصم كل ابن آدم خطاء ما فينا واحد تقي وصالح في يوم ما صلى سنة سنتين ترك الصلاة سنة من السنين ترك الصيام مرة مرتين شرب خمر يعني كل ابن آدم خطاء (المؤمن كالسنبلة يميل تارة ويستقيم أخرى) (لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ثم جاء بقومٍ يذنبون) والأحاديث (المسلم كالفرس في أخيّته) هذه الحلقة التي يربطون فيها الفرس (يجول ويدور ويعود إلى أخيته) يروح ويبتعد قليلاً عن الإسلام لكن يرجع إذاً تنفصم عروة العمل تنفصم وعروة الإيمان والتوحيد لا تنفصم أبداً ببركة النبي عليه الصلاة والسلام الذي هو كما قال (يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ ﴿2﴾ الجمعة) إذاً هذه التزكية التي زكى الله بها هذه الأمة أنها لا تشرك بالله أبداً ولكن نعم هكذا مرة ومرة ولكن كما قال صلى الله عليه وسلم (ولكن ساعة وساعة لسنا على ساعة واحدة) هكذا كما جاء في الأحاديث الكثيرة لن نطيل عليكم في سردها وإلا لاحظ لكل إنسان عروته هذه عروة متحدة كل واحد منا له عروة عروة الحاكم العدل إذا تمسك بها ولم تنفصم جاء يوم القيامة متجلياً غفر الله كل ذنوبه عروة العالم الصدق إذا كان صادقاً ولا يخاف في الله لومة لائم جاء يوم القيامة وكل ذنوبه مغفورة عروة التاجر الإخلاص والنصيحة وهكذا. حديث عجيب عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول كما في الحديث عن البراء بن عازم قال كنا جلوساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألهم النبي (أي عرى الإسلام أوثق؟) الله قال العروة الوثقى ما هي أوثق عروة؟ قالوا (الصلاة يا رسول الله قال: حسنة وما هي بها، ثم قالوا: الزكاة يا رسول الله قال: حسنة وما هي بها) ليست هذه هي الأوثق هذه عروة وثقى ولكن ليست الأوثق (قالوا: الصوم صوم رمضان قال: حسنٌ وما هو به قالوا: الجهاد قال: حسنٌ وما هو به) تصور الصلاة الصوم الزكاة الحج الجهاد كله قال رسول الله ما هو إذاً ما هي أوثق عروة؟ قال (أوثق عرى الإيمان أن تحب في الله وتبغض في الله). تأمل فيها أنت قد تصلي ولكن قد تنافق قد تصلي وأنت غضوب وتحقد على الناس وحاسد قد تصلي وأنت مثلاً يعني بك بخل على أمك وأبوك ووالديك وأهلك الخ أنت إذا بلغ إيمانك أن جعلك تحب في الله وتبغض في الله لا تحب لصداقة ولا لمن أعطاك معروفاً إنما لأن هذا إنسان طيب ابن حلال فتحبه، معنى هذا أن قلبك لا فيه حسد ولا غيرة ولا غل قلب كهذا لا يمكن إلا أن يكون صالحاً فهو قلب سليم (إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴿89﴾ الشعراء) بالضبط هو هذا القلب السليم قطعاً صلاته عظيمة وحجه عظيم وصومه عظيم والخ وحينئذٍ ليس كل مصلٍ صالح ولكن كل من يحب في الله ويبغض في الله صالح إذاً علامة القلب السليم أن يحب في الله ويبغض في الله. إذاً هذه أوثق عروة الكلام في العروة الوثقى كلام طويل ولهذا كل نوع من أنواع العبادة هو عروة ونحن قلنا مرة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ﴿35﴾ المائدة) كل واحد من هذه الأمة سيأتي يوم القيامة مشهوراً بعمل (إن لكل عبدٍ في السماء صيتاً كصيته في الدنيا) هذا العالم هذا المنفق هذا الصابر هذا المجاهد هذا الكريم هذا البار بوالديه كل واحد له صيت هذه العروة كل واحد له عروته العروة الأساسية لا إله إلا الله وهذه اطمئن ما دمت دخلت بها مصدقاً بها قلبك أو أنك ولدت عليها فلن ترتد أبداً ارتاح يبقى العمل لا الأولى لا انفصام لها ﴿فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا﴾ وهذه شهادة من رب العالمين الثانية قال من يعمل صالحاً ويسلم وجهه استمسك بالعروة الوثقى ﴿وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾ لكنه ما قال لا انفصام لها لأنك قد تنفصم يا ما ناس راحوا ورجعوا وراحوا ورجعوا وراحوا ورجعوا ويختم له إن شاء الله على خير وبخير. هكذا هي مسألة الفرق بين آيتين آية قال ﴿فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا﴾ وآية قال فقط ﴿فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾ ما وصفها بأنها لا انفصام لها لأنها قد تفصم وعليك أن تعود لها مرة أخرى.

ﵟ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انْفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﵞ سورة البقرة - 256


Icon