الوقفات التدبرية

*في لفظة (كذابا) في سورة النبأ (وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا...

*في لفظة ﴿كذابا﴾ في سورة النبأ (وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا (28)) لماذا جاء بالمصدر كذابا ولم يأت تكذيب مع أنه ورد في سورة البروج (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (19)) فهل لهذا أثر في المعنى؟(د.فاضل السامرائى) الكِذّاب هو مصدر معناه التكذيب المفرط كما هو مقرر في علم اللغة. الكِذّاب مصدر معناه التكذيب والكذب، كِذّاب مصدر كذب ومصدر كذّب. مصدر كذّب القياسي تكذيب على تفعيل هذا القايس مثل علم تعليم سلم تسليم، كلم تكليم، هذا القياس لكن أيضاً شاع في فصحاء العرب موجود الكِذّاب وهو التكذيب المفرط وليس فقط التكذيب وإنما الزيادة في التكذيب والمبالغة في التكذيب. لما تقول فلان يكذِّب كِذّاباً أو يقضي قضّاءاً ويفسر فساراً يعني فيها إفراط. (وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا (28)) كذاباً يعني تكذيباً مفرطاً. عرفنا الكِذّاب أنه تكذيب مفرط إذن لِمَ قال في البروج كذابا؟ إذا كان هو تكذيب مفرط لماذا جعل هنا كذاب وهناك تكذيب؟ نقرأ السياق حتى تتضح المسألة (إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا (21) لِلطَّاغِينَ مَآَبًا (22) لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (23) لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا (24) إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا (25) جَزَاءً وِفَاقًا (26) إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا (27) وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا كِذَّابًا (28) وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا (29) فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا (30) النبأ) في البروج قال (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (17) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (18) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (19)) نلاحظ لماذا زاد في المبالغة؟ أولاً في البروج قال فرعون وثمود ولم يذكر شيئاً آخر، في النبأ ذكر الطاغين وأنهم كانوا لا يرجون حساباً وكذبوا بآياتنا كذاباً جاء بمفعول مطلق مؤكد وجاء بـ ﴿كِذَّابًا﴾، لما زاد على ما في البروج في التفصيل في الكفر زاد في الوصف، هذا أمر ولما بالغ في الوصف ﴿كِذَّابًا﴾ وأكد زاد في العذاب فقال (فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا (30) النبأ) لما زاد في الوصف زاد في العذاب. لا نفهم أن ﴿كِذَّابًا﴾ جاءت فقط ملائمة للفاصلة، صحيح هي جاءت متلائمة مع الفاصلة لكن من الناحية البيانية هذا أبلغ بكثير، ذكر هنا صفات لم يذكرها هناك. ليس هذا فقط وإنما قال في البروج (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (19) وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ (20)) ﴿فِي تَكْذِيبٍ﴾ يعني ساقطون في الكذب يعني في مثل اللجة يعني الكذب محيط بهم فقال ﴿وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ﴾ التكذيب محيط بهم والله محيط بالجميع. في آية في النبأ قال (لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا (35)) الكلام عن الجنة، يمكن أن يسأل أحدهم سؤالاً يقول الكذاب هو التكذيب المفرط فهل يمكن أن يسمعوا الكذب القليل؟ كِذّاب مصدر كَذَب ومصدر كذّب، كَذَب كِذّاباً وكذّب كذّاباً في اللغة لا يسمعون فيها لغوا ولا كذاباً لا كذباً ولا تكذيباً جمع المعنيين بمصدر واحد، وكأن الإتيان بالمصدر لنفي المعنيين، هم فعلاً لا يسمعون فيها كذباً ولا تكذيباً، لا قليل ولا كثير، فبدل أن يقول لا كذباً ولا تكذيباً جاء بمصدر يدل على المعنيين فجمعهما.

ﵟ وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا ﵞ سورة النبأ - 28


Icon