الوقفات التدبرية

نفي شيئين الضلالة والغواية. وهناك فرق بين الضلالة والغواية...

نفي شيئين الضلالة والغواية. وهناك فرق بين الضلالة والغواية فالضلالة قد تكون عن قصد أو عن غير قصد (فأضلّه الله على علم) ﴿الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا﴾ سورة الكهف، أما الغواية فهي عن قصد وهو الإمعان في الضلال. والضلال عام نقول ضلّت الدابة ولا نقول غوت الدابّة والغواية هي للمكلّف. والضلال نقيض الهدى والغواية نقيض الرشد ﴿يُضلّ من يشاء ويهدي من يشاء﴾ ﴿وأضلّ فرعون قومه وما هدى﴾ سورة طه، ﴿وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغيّ يتخذوه سبيلا﴾ ﴿قد تبيّن الرشد من الغيّ﴾ سورة البقرة. ﴿ما ضل صاحبكم وما غوى﴾: نفى الله تعالى عن رسوله  الأمرين الضلالة والغواية وقد ذكر كلمة﴿صاحبكم﴾ ولم يقل اسمه وقد وردت صاحبكم في ثلاث مواضع في القرآن الكريم: إما لنفي الضلال وإما لنفي الجنون (ما بصاحبكم من جِنّة، وما صاحبكم بمجنون، ماضل صاحبكم ) وهذا لأن فيها معنى الصحبة فقد لبث الرسول  فيهم عمراً طويلاً وخالطهم وعاشرهم وعرفوا صدقه وأمانته ولا يكذّبونه فهو صاحبهم فكيف يمكن لهم أن يتهموه بالضلال؟ وقد وردت كلمة صاحبكم دائماً لنفي الجنون والغواية وهذا فيه معنى الصحبة أيضاً ولو لاحظنا القسم في بداية السورة هو دلالة على الهوي والسقوط، والضلال والغيّ هما سقوط في السلوك ودائماً يأتي في القرآن الضلال مع الحرف ﴿في﴾ ﴿في ضلال مبين﴾ وهذا دليل على السقوط أما عند ذكر الهداية فيأتي بالحرف ﴿على﴾ لأن الهدى تفيد الإستعلاء وهو  متمكن من وقع قدمه وقادر أن يرى حتى الهمزة تفيد السقوط تأتي مع ﴿في﴾ الظرفية دلالة على السقوط (وإنا أوإياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين) والنجم إذا ضلّ مساره سقط. تكرار ما في قوله تعالى ﴿ما ضلّ صاحبكم وما غوى﴾: وهذا حتى لا يُتصوّر أنه نفى الجمع بينهما فقط وإنما نفى الجمع بينهما والإفراد. ما ضلّ صاحبكم وما غوى تعني نفي الضلالة والغواية معاً أو كل منهما على حدة. أما القول ما ضلّ صاحبكم وغوى فهي تفيد النفي بالجمع بين الصفتين. وهذا من باب الإحتياط للمعنى نفاهما على سبيل الجمع والإفراد ومعناه أنه  اهتدى ورشد فهو مهتد رشيد. إذن لماذا لم يقل (هدى ورشد) بدل ما ضلّ وما غوى؟ لو قال اهتدى قد يكون في وقت من الماضي او لفترة زمنية محددة قد تفيد أنه قد يكون قبل الهداية ضالاً اكنه  مهتد رشيد لم يسبق له ضلالة ﴿ما ضلّ صاحبكم وما غوى﴾ تفيد أنه مهتد رشيد لم يسبق له ضلالة في أي وقت وزمن كان.

ﵟ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ ﵞ سورة النجم - 2


Icon