الوقفات التدبرية

(إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا...

(إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) المطففين) ثم قال (فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34)) وصفهم بالجملة الإسمية ولم يقل الذين أجرموا. حوّل المؤمنين إلى صورة إسمية فما دلالة هذا الاختلاف؟ أولاً سماهم مجرمين ﴿أجرموا﴾ لأنهم اعتدوا على الآخرين. والإجرام هو الإعتداء على الآخرين أن يفعل شيئاً مخالفاً للقانون فهم اعتدوا على الآخرين أي أجرموا بحقهم بالسخرية منهم ثم سماهم كفار لأنه ليس كل من يسخر من شخص هو كافر فالإجرام سلوك والكفر حكم. فهؤلاء الذين أجرموا هم كفار وليسوا من المسلمين فذكر أول مرة سلوكهم وأعطاهم حق الإجرام لسلوكهم ثم ذكر أن هؤلاء من الكفار ليس من المسلمين من يسخر بعضهم من بعض بدليل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ (11) الحجرات) هؤلاء من الكفار إذن هو بيّن الحكم وفي البداية بيّن الفعل وإجرامهم واعتداؤهم على الآخرين. ثم ذكر أن هؤلاء من الكفار لذا قال ﴿فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ﴾ إذن بيّن سلوكاً ثم بين حكماً، حكم لهؤلاء بهذا السلوك وغيره لأن هذا السلوك وحده ليس كفراً. إذا ضحك شخص من شخص فهذا ليس كفراً لكن هؤلاء بالذات كفار كانوا يضحكون من الذين آمنوا وليس من شخص واحد. يجوز أن يكون المسلم مجرماً لأن الإجرام ارتكاب أخطاء في حقوق الآخرين. إذن هذا الأمر الأول سماه إجرام لأنهم أجرموا بحقهم ثم قال أن هؤلاء من الكفار ومصيرهم إلى جهنم فقال ﴿فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ﴾ الذين آمنوا ليس فقط هؤلاء الذين اعتدوا عليهم وإنما هؤلاء أصبحوا مضحكة لجميع المؤمنين وليس فقط من الذين سخروا منهم. المجرمون يضحكون على الفئة المؤمنة واليوم الذين آمنوا يضحكون من الكفار ويسخرون منهم وقدّم ﴿مِنَ الْكُفَّارِ﴾ لأنه في ذلك الحين لا يُضحك إلا منهم اختصاص. فاليوم الذي آمنوا من الكفار ليس فقط من الذين أجرموا وإنما الذين آمنوا عموماً يضحكون من الكفار عموماً وقد دخل هؤلاء فيهم لأنهم من الكفار ﴿فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ﴾ ممن كان يضحك منهم وغيرهم ولو حصل في الدنيا فاليوم الذين آمنوا ليس فقط يضحكون من أولئك الذين كانوا يضحكون منهم وإنما من الكفار عموماً ودخل هؤلاء فيهم فإذن صار هذا حكم عام. لم يقل الذين آمنوا من الذين أجرموا يبقى قسم من الكفار يضحك على آخرين لكنه جمع وشمل الكل هؤلاء وغيرهم ممن يفعل فعلهم فصار أعم ليس فقط هؤلاء لكن كل الآخرين فصار أعمّ ودخل هؤلاء فيهم.

ﵟ إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ ﵞ سورة المطففين - 29


Icon