الوقفات التدبرية

ما فائدة تقديم فك رقبة على إطعام في يوم ذي مسغبة؟ أولاً المسكين ذو...

ما فائدة تقديم فك رقبة على إطعام في يوم ذي مسغبة؟ أولاً المسكين ذو المتربة هو ليس أي مسكين أو المسكين بشكل عام. وفي الآيات: اليوم مخصص بأنه ﴿ذى مسغبة﴾ واليتيم مخصص ﴿ذا مقربة﴾ والمسكين خصص ﴿ذا متربة﴾ وقد فرّق المفسرون بين الفقير والمسكين وقالوا أن الفقير هو من انكسر فقار ظهره من الحاجة وهو الذي لا يملك قوت يومه أما المسكين فهو الذي لديه عمل أو رزق لكن لا يكفي حاجته واستدلوا بذلك على قوله تعالى في سورة الكهف في وصف أصحاب السفينة (وأما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر) سمّاهم المساكين مع أنه كان لديهم سفينة وكانوا يعلمون في البحر لكن مدخولها لا يكفيهم. والمتربة هو الفقر وهو من التراب بمعنى التصق بالتراب من فقره، إذن ﴿مسكيناً ذا متربة﴾ هو المسكين الفقير الذي لا مأوى له وهو مطروح على قارعة الطريق وهذا ليس من المساكين العاديين وإنما من خصوص المساكين وهذا صنف ما زلنا نراه في المجتمعات. أما سبب التقديم ﴿فك رقبة﴾ أولاً فهو إشارة إلى عِظم الحرية في الإسلام إذا كان بمعنى الرِّق لأنه الأولى في الحياة التحرير بالنسبة للأفراد والشعوب في المجتمعات. وثانياً قد يكون الشخص مطلوب بدم أو بشيء آخر أو غارم فأولى شيء عنده أن تفك رقبته وقد يكون هو الأحوج إلى الإطعام والفك من غيره من الأيتام والمساكين لأنه إذا كان مطلوباً فإنه لن يكون قادراً على الخروج لطلب الطعام أو غيره فاليتيم ممكن أن يخرج للبحث عن الطعام وكذلك المسكين أما الغارم أو المطلوب فهو الأولى بذلك لذا جاء ذكره أولاً وهو أوّل ما يُفك وهو أسبق من اليتيم والمسكين. ثم اليتيم بعد فك الرقبة لأنه في اليوم ذي المسغبة واليتيم هو الصغير دون سن البلوغ فإذا بلغ انتفت عنه صفة اليتم، هذا الصغير اليتيم في مثل هذا اليوم ينبغي أن يُراعى ويُتفقد في هذا اليوم العصيب ذي مسغبة وماذا سيأكل في هذا اليوم. ثم يأتي المسكين وهو أكبر سنّاً من اليتيم ويمكن أن يفعل شيئاً للحصول على الطعام بعكس اليتيم إذن فهي مرتبة بحسب الحاجة في ذلك الوقت وهي مرتبة بحسب القلّة والكثرة من القلّة إلى الكثرة (المطلوبين والغارمين قليلون في المجتمعات أما إذا كانوا رقيقاً فهم لم يعودوا موجودين أصلاً) ثم الأيتام أكثر من الغارمين والمطلوبين لكنهم أقل من المساكين لأن هؤلاء اليتامى سيكبرون وتنتفي عنهم صفة اليتم، أما المساكين فهم الأكثر في المجتمعات. الأيات مرتبطة بقوله تعالى ﴿لقد خلقنا الإنسان في كبد﴾ فهؤلاء الغارمون والمطلوبون والمسترَقّون واليتامى والمساكين كلهم مكابدون وكذلك مرتبطة بقوله تعالى ﴿أهلكت مالاً لُبدا﴾ كان ينبغي له أن يُنفق على هؤلاء المساكين واليتامى والغارمين شيئاً من ماله الذي أهلكه في غير وجه حق، ومرتبطة بقوله ﴿ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة﴾ لأن فك الرقاب وإطعام المحتاجين من المرحمة وهؤلاء من أحوج الناس إلى الصبر أيضاً.

ﵟ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ ﵞ سورة البلد - 15


Icon