الوقفات التدبرية

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا...

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (28)) *من المخاطب في هذه الآية : هذا خطاب عام للمؤمنين كافة من أهل الكتاب وللمؤمنين بمحمد . المؤمنون من أهل الكتاب من اليهود والنصارى، المؤمنون بموسى وعيسى من أهل الكتاب يطلب منهم ربنا أن يتقوا الله ويؤمنوا بالنبي الخاتم  والمؤمنون من المسلمين عليهم أن يثبتوا على ذلك (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا (136) النساء) أي اثبتوا. فالمؤمنون المسلمون يطلب منهم الثبات على ما هم عليه ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ﴾. هذا الطلب هو أحد أمرين: بالنسبة لأهل الكتاب الإيمان بالنبي الخاتم وأنه لا يشفع لهم إلا أن يؤمنوا بالنبي الخاتم وبالنسبة للمسلمين أن يثبتوا على ذلك ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ﴾ آمِنوا الثانية تدل على الثبوت وليس على طلب الإيمان لأنهم مؤمنين. فالخطاب إذن لأهل الكتاب وللمسلمين أهل الكتاب يطلب منهم الإيمان بالنبي الخاتم والمسلمين يطلب منهم الثبات على ما هم عليه من الإيمان. *ما معنى كفلين؟ أي نصيبين من الأجر. الكفل من معناه النصيب ويأتي بمعنى المِثل حسب السياق. *في الأحزاب قال (وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا (31)) وفي القصص (أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا (54)) وهنا قال كفلين لماذا الاختلاف وما الفرق بين الكفل والأجر؟ الكفل هو النصيب وأحياناً بمعنى المِثل. قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ (28) الحديد) أي نصيبين من الرحمة أي يضاعف لهم الأجر إذن لماذا لم يقل أجرهم كما في آية القصص؟ الأجر في اللغة هو الجزاء على العمل ، أصل الأجر الجزاء على العمل تقول أعطه أجراً، استأجره أي يعمل عملاً مقابل مال. الكِفل ليس له علاقة بالعمل وإنما نصيب. الكفل هو المِثل وقد يكون في الخير أو في الشر. لكن السؤال لماذا قال هنا كفلين من رحمته وقال في القصص والأحزاب أجرهم وأجرها؟ قلنا أن الأجر هو الجزاء على العمل وهنا لم يذكر عملاً وإنما التقوى والإيمان بالرسول هذا ليس عملاً وإنما قلبي الآن ما ذكر العمل بينما في القصص قال (أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (54) وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ (55)) إذن ذكر الأجر بمقابل العمل قال ﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾ ﴿لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ﴾ وفي سورة الأحزاب ﴿وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ﴾ إذن الأجر مقترن بالعمل أما الكفل فهو النصيب. *في الآية ﴿وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ﴾ أين النور في الدنيا أو الآخرة؟ هو عام في الدنيا والآخرة قال (هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (9) الحديد) (أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (122) الأنعام) وذكر أنه في الآخرة (لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ (19) الحديد) وفي سورة الحديد ذكر ربنا تعالى أن يوم القيامة يعطى لهم نور والمنافقون يضرب بينهم بسور له باب. إذن ﴿وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ﴾ هذا عام في الدنيا والآخرة. *في الأتعام قال ﴿وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ﴾ وفي الحديد قال ﴿وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ﴾ ولم يقل في الناس؟ آية الحديد عامة بينما الكلام في الأنعام اكتنفه الكلام عن الناس أصلاً، الكلام في الأنعام عن الدنيا وذكر معاملاتهم وافتراءاتهم وضلالاتهم بخلاف سورة الحديد. (وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (116) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (117) فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ (118) وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (119) وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ (120) وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121) أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (122)) الكلام عل الناس في سورة الأنعام قبلها وبعدها أما في الحديد فلم يذكر معاملات الناس وأحوالهم وإنما ذكر بشكل عام ربنا قال ﴿وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ﴾ لم يقل في الناس لأنه في الآخرة ليس المشي في الناس وإنما يمشي به وحده والنور له وحده لا يشاركه به أحد (يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ (13) الحديد) في الآخرة ليس المشي في الناس وإنما النور له وحده وليس في الناس وليس يمشون به في الناس بينما في الأنعام هذه في الناس ومعاملاتهم وأحوالهم في الدنيا لذا قال ﴿وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ﴾ أما تلك فهي عامة في الآخرة لكن لا يمشي به في الناس. ﴿وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ﴾ في الدنيا والآخرة ولو قال في الناس لكان في الدنيا فقط كما قال في الأنعام قال ﴿في الناس﴾ والكلام على الدنيا.

ﵟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﵞ سورة الحديد - 28


Icon