الوقفات التدبرية

(إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ...

(إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا (27)) ما هي العاجلة؟ ولم قال ويذرون وراءهم مع أن اليوم أمامهم؟ العاجلة هي الدنيا كما هو معروف يعيشون فيها ويتعجّلون أمرها. ويذرون وراءهم لأنهم نبذوه وراءهم لو عناه أمرهم لجعلوه أمامهم لكنهم تركوه وراءهم هكذا يقول قسم. وفي استعمال العرب لكلمة وراءهم يذكرون أنها تأتي بمعنى أمامهم كما في قوله تعالى ﴿من ورائه جهنم﴾ بمعنى أمامهم، وقوله تعالى ﴿وكان وراءهم ملك﴾ الخرق كان بعد أن ركبوا في السفينة ولو تركوه وراءهم لكانوا نجوا منه. وراءهم تستعمل لمن كان طالباً لك وهو أمامك كما نقول باللغة العامية (وراءك امتحان) ليست بمعنى خلفك لكنه يطلبك. إذن العرب تستعمل وراءك بمعنى أمامك إذا كان يطلبه. فقوله تعالى ﴿ويذرون وراءهم﴾ بمعنى تركوه وهو يطلبهم وليسوا بفارّين منه. واللمسة البيانية في النعبير بوراء بمعنى أمام لأن كلمة وراء فيها معنى الطلب كما يطلب الغريم غريمه (لا مفر منه طالباً له). في سورة القيامة قال تعالى (كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ (20) وَتَذَرُونَ الْآَخِرَةَ (21) القيامة) فذكر العاجلة وذكر ﴿وتذرون الآخرة﴾ فلماذا قال في سورة الإنسان يوماً ثقيلاً وفي القيامة قال الأخرة؟ أولاً العاجلة خي نفسها في الآيتين بمعنى الدنيا. أما بالنسبة لاستعمال ﴿يوماً ثقيلا﴾ في سورة الإنسان فلأنه تكرر ذكر اليوم من بداية السورة (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (7)) و(إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (10)) و(فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا (11)) فالكلام في السورة عن اليوم الذي هو يوم القيامة وهو اليوم الثقيل ثم عندما ينصرف أهل الجنة إلى الجنة لا يكون ثقيلا،. أما الآخرة فهي أعمّ من اليوم. في سورة القيامة جاءت الآيات بالخطاب المباشر (كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ (20) وَتَذَرُونَ الْآَخِرَةَ (21) القيامة) أما في سورة الإنسان فجاءت الآيات باستعمال ضمير الغائب ﴿ويذرون وراءهم﴾ لأن المقام في سورة الإنسان لا يناسب الخطاب المباشر ولا يصحلأنه ذكر أن قسماً ممن ذُكروا في السورة لم يذروا الآخرة (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (7)) و (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8)) وقد وقاهم الله شر ذلك اليوم (فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا (11)) فلا يصح إذن الخطاب فكيف يخاطبهم أجمعين وقسم منهم يفعل الخير حتى يقيهم الله شر ذلك اليوم فالخطاب لا يناسب.

ﵟ إِنَّ هَٰؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا ﵞ سورة الإنسان - 27


Icon