الوقفات التدبرية

*سلام هي حتى مطلع الفجر؟ أم هي حتى مطلع الفجر؟ (من كل أمر) قالوا...

*سلام هي حتى مطلع الفجر؟ أم هي حتى مطلع الفجر؟ ﴿من كل أمر﴾ قالوا معناها من أجل كل أمر لأن ﴿من﴾ تفيد التعليل أحياناً كما في قوله (مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا (25) نوح) ﴿من﴾ فيها تعليل لا تقتصر على كونها حرف جر وإنما لها معاني دلالية أخرى، إذن هي هنا تعليلية أي من أجل كل أمر. سلام من كل أمر أو من أجل كل أمر؟ سلام من كل أمر أو هي سلام؟ هل هي حتى مطلع الفجر أو سلام هي حتى مطلع الفجر؟ تحتملها كلها. سلام من كل أمر أو من كل أمر سلام، وسلام هي حتى مطلع الفجر وهي حتى مطلع الفجر، الآيات تحتمل كل هذه المعاني. ﴿سلام هي﴾ تحتمل أن تكون سلام خبر مقدم وهي مبتدأ مؤخر (هي سلام) لو قال هي سلام سيكون معنى واحداً. ﴿سلام هي﴾ هذا التقديم جمع المعاني كلها عندما قدم كلمة سلام على ﴿هي﴾ لجمع المعاني كلها ولو قال هي سلام لم تجمع هذه المعاني. سلام من كل أمر ليست مثل سلام هي من كل أمر يصير الفاصل بين العامل والمعمول بالأجنبي بالمبتدأ وهذا لا يصح وهو ضعيف. (سلام من كل أمر) الجار والمجرور ﴿من كل أمر﴾ هذا متعلق بسلام وعامل فيه، لما تقول ﴿سلام هي﴾ ﴿هي﴾ مبتدأ و ﴿سلام﴾ خبر متقدم و ﴿من كل أمر﴾ معمول المتقدم فاصل بينهما بأجنبي وهذا تعبير ضعيف في اللغة وقسم لا يجيزه أصلاً فلما قدّم فلما قدّم انتفى وكل المعاني مطلوبة وكلها مرادة وكلها صحيحة. هي سلام من كل أمر وسلام هي حتى مطلع الفجر وهي حتى مطلع الفجر. في جملة واحدة أشياء عديدة كلها صحيحة مطلوبة ولو قدّم أو أخّر تنتفي ويصير معنى واحد لو قال هي سلام. إضافة إلى ما فيها من القصر والاهتمام لما قدّم السلام وأهمية السلام وهذا يتسق مع المقصد العام للسورة وشأن السورة وقدرها عند الله تعالى. ثم ما قال حتى آخرها وإنما قال ﴿حتى مطلع الفجر﴾ والفجر ليس من الليل الفجر بداية الصبح. حتى بمعنى الغاية هنا أي لغاية مطلع الفجر، إذن لم يبق شيء من الليل، مطلع الليل ليس من الليل وإنما هو متصل به وهو من الصبح فقال ﴿حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾ يعني استغرق الليل كله لم يبق فيه لحظة واحدة. ثم نلاحظ قوله ﴿سلام هي حتى مطلع الفجر﴾ ﴿سلام هي﴾ تعبير مجازي أصلاً ﴿هي﴾ للزمن الليلة وسلام حدث المبتدأ والخبر يجب أن يكونا من جنس واحد، هذه مبالغة يعني هذه  الليلة كلها تحولت إلى سلام، ليس فيها سلام ولا سلام فيها وإنما سلام هي ، هذا إخبار بالحدث ﴿سلام﴾ عن الزمن (الذي هو الليلة). نلاحظ في هذه السورة على قصرها جمع تعظيمات أكثر من 12 - 14 تعظيماً أولاً العظمة في ﴿إنّا﴾ وأكّد فيها و﴿أنزلنا﴾، ذكر الضمير في أنزلناه لم يذكر الظاهر لنباهته ثم تعظيم الليلة التي أنزل فيها ﴿خير من ألف شهر﴾ وسماها ليلة القدر ما قال ليلة شريفة فجمع فيها ليلة الشرف وما يقدر فيها من الأمور، قال ما أدراك، ما قال ما هي وإنما قال وما أدراك ما ليلة القدر، ثم كرر ليلة القدر ما قال هي خير من ألف شهر، ثم قال ﴿خير من ألف شهر﴾ وذكر تنزل الملائكة وليس الملائكة فقط وإنما الملائكة والروح وذلك أيضاً بإذن الله أي استأذنوا ربهم، ومن كل أمر وليس من أمر واحد عموم الأمور، وسلام، وسلام هي فجعلها كلها سلام، وتقديم سلام وحتى مطلع الفجر، كلها تعظيمات وهي تستحق.

ﵟ سَلَامٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ ﵞ سورة القدر - 5


Icon