الوقفات التدبرية

قوله تعالي : " فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ...

قوله تعالي : " فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94) " الحجر : 94 . حُكيَ أنَّ بعضَ الأعرابِ لما سمعَ هذه الآية سَجَدَ ، فلما سُئلَ عن سببِ سجودِه قال : " سجدتُ لفصاحة هذا الكلام " البداية والنهاية لابن كثير : 1 / 64 . ونقل أبو حيّان عن أبي عبيدة عن رؤبة قوله : " ما في القرآن أغرب من قوله " فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ " البحر المحيط : 6 / 498 . وقال أبو منصور الثعالبيّ : " ثلاث كلمات اشتملت علي شرائط الرسالة ، وشرائعها ، وأحكامها ، وحلالها ، وحرامها " الإعجاز والإيجاز : 17 . فقوله : " فَاصْدَعْ " بمعني : امض فيه ، وأظْهِرْهُ ، واجْهَرْ به ، قالَ ابنُ أبي الإصبع في كتابه ( بديع القرآن ) ص : 22 : " المعني : صَرِّحْ بجميعِ ما أوحي إليك ، وَبَلِّغْ كُلَّ ما أُمِرْتَ ببيانِهِ ، وإنْ شقَّ بعضُ ذلك علي بعضِ القلوب ، فَانْصَدَعَتْ ، والمشابهةُ بينهما فيما يؤثِّرُه التصديعُ في القلوب ، فيظهرُ أثرُ ذلك علي ظاهرِ الوجوهِ من التَّقَبُّضِ والانبساطِ ، ويلوحُ عليها من علاماتِ الإنكارِ أو الاستبشارِ ، كما يظهرُ علي ظاهرِ الزجاجةِ المصدوعةِ من المطروقةِ في باطنها ، فانظرْ إلي جليلِ هذه الاستعارة ، وإلي عظيم إِيجازِهَا ، وما انطوتْ عليه من المعاني الكثيرة " . انتهي كلامه . فالصَّدْعُ علي هذا القولِ يكونُ من الرسولِ - صلي الله عليه وسلم - لقلوبِ الكفّارِ بما أوحي اللهُ تعالي إلي نبيِّه – صلى الله عليه وسلم - . ثم تأملوا - رحمني اللهُ وإيّاكم - في تَخصيصِ الآية للمصدوعِ به بالأوامرِ فقط , حيثُ قالَ اللهُ تعالي : " بِمَا تُؤْمَرُ " , ولمْ يقلْ : ( وبما تُنهى ) ؛ لأنّه لمّا حذفَ الجارَ والمجرورَ بعدَ قولِه : " تُؤْمَرُ " حيث أصلُ الكلامِ : ( بما تؤمرُ به ) , صار اللفظُ دالًا علي الأوامرِ والنواهي ؛ لأنَّ أوامرَ اللهِ تعالي لنبيه - صلي الله عليه وسلم - كانت تقتضي بأنْ يأمرَ الكافرين باتّباعِ الدينِ الجديدِ , وينهاهم عن عبادةِ الأصنامِ , والطلبُ من الرسول - صلي الله عليه وسلم - بتبليغ الكفارِ أوامرَ اللهِ تعالي ونواهيه , كلَّها أوامرُ للرسول - عليه أفضلُ الصلاةِ و السلامِ - , و لأجلِ ذلك حَسُنَ حذفُ الجارِ والمجرورِ , فلم يَقُلْ : ( بما تؤمر به ) ؛ إذ لو قيلَ ذلك لوجبَ أن يُقالَ : ( وبما تُنْهى عنه ) , وما يُنْهى الإنسانُ عنه لا يليقُ به الجهرُ . والله أعلم .

ﵟ فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ﵞ سورة الحجر - 94


Icon