الوقفات التدبرية

قوله تعالى : " وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي...

قوله تعالى : " وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39) " طه : 39 . إن كلام الله لا يماثله كلام ؛ فهو أبلغ من أن يباري , و اسمي من أن يجاري , هل نعم أمعنا النظر في هذه الآية العظيمة ؟ : " وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي " أيكون المراد : أحببتك ؟ أم : جعلت الناس يحبونك ؟ أم : أنزلت القبول لك في الأرض ؟ وأقول : ما تفكرت في القرآن الكريم , وتدبرت آياته , إلا رثيت لحال مترجمي معانيه إلى اللغات الأخرى ؛ لأنهم لا يملكون إلا أن ينقلوا إليها معنى واحدا فقط , وآيات الله في كثير من الأحايين تدل على أكثر من معنى , ألم يختلف المفسرون في المراد بهذه الآية ؟ قال ابن عطية - رحمه الله - : " ... ثم أخبر تعالى موسى أنه ألقي عليه محبة منه , فقال بعض الناس : أراد محبة آسية ؛ لأنها كانت من الله , وكانت سبب حياته , وقالت فرقه : أراد القبول الذي يضعه الله في الأرض لخيار عباده ,وكان حظ موسى منه في غاية الوفر , وقالت فرقه : أعطاه جمالا يحبه به من رآه , وقالت فرقة : أعطاه ملاحة العينين ..... ". وأقول : تدبروا قوله : " وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي " , تجدوا أنه استعمل الإلقاء , ونكر المحبة , و خصصها بكونها منه عز وجل , فلم يقل : ( وأحببتك ), ولا : ( جعلت الناس يحبونك ) , ولا : ( ألقيت عليك المحبة ) ؛ وذلك - والله اعلم - ليشمل كل الصور المتوقعة , وهذا من إعجاز كلام الله - جل جلاله - , قال أبو حيان التوحيدى - تجاوز الله عنه - : " و سمعت ابن سمعون الصوفي يقول : ما يقف البشر على بعد غور قول الله تعالى لكليمه : " وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39) " , فإن في هاتين الكلمتين ماله ما لا يبلغ كهنه , ولا ينال آخره , ولو أن أرق الناس لسانا , وألطفهم بيانا , أراد أن يتوسط حقيقة هذا القول , لم يستطع , و عاد حسيرا , ونكص بهيرا , وبقى عاجزا . ثم قال : اللهم حبب بعضنا إلى بعض , واجمع شملنا إلى رضاك عنّا , مع إحسانك إلينا , إنك أهل ذلك , والجواد به " . ونقل أبو حيان أنه قيل : " إذا أحب الله عبدا ألقي مودته على الماء , فلم يشرب منه أحد إلا أحبه , وإذا أبغض الله عبدا القي بغضه على الماء , فلم يشرب منه أحد إلا أبغضه " الصداقه والصديقين : 212 . وجماع الأمر كله ما رواه الإمام البخاري - رحمه الله - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال : " إذا أحب الله العبد نادي جبريل : إن الله يحب فلانا فأحببه , فيحبه جبريل , فينادي جبريل في أهل السماء : إن الله يحب فلانا فأحبوه , فيحبه أهل السماء , ثم يوضع له القبول في الأرض " .

ﵟ أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ ۚ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي ﵞ سورة طه - 39


Icon