الوقفات التدبرية

قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ...

قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ ﴿٢٧﴾ ﴾[فاطر:٢٧] . أشكل على العلماء قبل العامة قول الله تعالى: ﴿ وَغَرَابِيبُ سُودٌ ﴾؛فإن من عادة العرب في كلامهم عند اجتماع التابع والمتبوع أنهم يقدمون المتبوع، كقوله تعالى:﴿قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ ﴿٦٩﴾ ﴾[البقرة :٦٩], فالأصفر يوصف بأنه فاقع، ويقولون:أسود غربيب،لكنه في هذه الآية عكس، فأتى بالتابع﴿وَغَرَابِيبُ﴾ قبل المتبوع﴿سُودٌ﴾، وقد وصف الإمام الزركشي – رحمه الله – هذه الآية، فقال : " هي من الآيات التي صدئت فيها الأذهان الصقيلة، وعادت بها أسنة الألسنة مفلولة، ومن جملة العجائب أن شيخًا أراد أن يحتج على مدرس لما ذكر له هذا السؤال، فقال: إنما ذكر السواد لأنه قد يكون في الغربان ما في بياض، وقد رأيته ببلاد المشرق!!!، فلم يفهم من الآية إلا أن الغرابيب هو الغراب، ولا قوة إلا بالله". وقد جعل بعض المفسريين سبب ذلك مراعاة الفواصل وختام الآيات, وقال الزركشي – رحمه الله- :"والذي يظهر في أن الموجب لتقديم (الغرابيب) هو تناسب الكلم، وجريانها على نمط متساوي التركيب؛ وذلك أنه لما تقدم البيض والحمر دون إتباع كان الأليق بحسن النسق وترتيب النظام أن يكون (السود) كذلك، ولكنه لما كان في (السود) هنا زيادة الوصف كان الأليق في المعنى أن يتبع بما يقتضي ذلك، وهو الغرابيب، فيقابل حظ اللفظ وحظ المعنى، فوفي الخطاب، وكمل الغرضان جميعًا، ولم يطرح أحدهما الآخر، فيقع النقص من جهة الطرح، وذلك بتقديم (الغرابيب) على (السود), فوقع في لفظ (الغرابيب) حظ المعنى في زيادة الوصف, وفي ذكر (السود) مفردًا من الإتباع حظ اللفظ؛ إذ جاء مجردًا عن صورة البيض والحمر، فاتسقت الألفاظ كما ينبغي،وتم المعنى كما يجب ،ولم يخل بواحدة من الوجهين، ولم يقتصر على (الغرابيب)،وإن كانت متضمنة لمعنى (السود) لئلا تتنافر الألفاظ،فإن ضم (الغرابيب) إلى (البيض) و(الحمر)، ولزها في قرن واحد : كابن اللبون إذا ما لز في قرن غير مناسب لتلاؤم الألفاظ وتشاكلها،وبذكر السود وقع الالتئام،واتسق نسق النظام،وجاء اللفظ والمعنى في درجة التمام،وهذا لعمر الله من العجائب التي تكل دونها العقول،وتعيا بها الألسن،لاتدري ما تقول،والحمد لله".

ﵟ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا ۚ وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ ﵞ سورة فاطر - 27

ﵟ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا ۚ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ ﵞ سورة البقرة - 69


Icon