الوقفات التدبرية

قوله تعالى : ﴿ وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى...

قوله تعالى : ﴿ وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ﴿ 73 ﴾﴾ [الزمر: 73] . حيث جواب الشرط ﴿ إِذَا ﴾ الذي يمكن أن يقدر بـ(حتى إذا جاءها وجدوا ما يقصر عنه البيان)؛ لأن وصف مايجدونه، ويلقونه عند ذلك في الجنة لا يتناهى، فلا يحيط به لفظ، فجعل الحذف دليلا على ضيق الكلام عن وصف ما يشاهدونه، وتركت النفوس تقدر ما شأنه، ولا تبلغ مع ذلك كنه ما هنالك؛ لقول لله عز وجل في الحديث القدسي فيما رواه الشيخان –رحمهما الله- عن أبي هريرة رضي الله عنه: (اعددت لعبادي الصالحين ما لاعينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر). وههنا سؤال جدير الإجابة هو:لماذا أدخل الواو مع الجنة في قوله: ﴿ وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا ﴾، ولم يدخلها مع النار في قوله :﴿ وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴿ 71 ﴾﴾[الزمر: 71] . وقبل الإجابة على هذا السؤال أذكر أنه قد اجتمع في مجلس سيف الدولة الحمداني أبو علي الفارسي وأبو عبدالله الحسين بن خالويه، فسئل ابن خالويه ذاك السؤال، فقال: هذه الواو تسمى واو الثمانية؛ لأن العرب لا تعطف الثمانية إلا بالواو. فنظر سيف الدولة إلى أبي علي، وقال له: أحق هذا؟ فقال أبو علي: لا أقول كما قال، إنما تركت الواو في النار لأنها مغلقة، وكان مجيئهم شرطا في فتحها، فقوله:﴿ فُتِحَتْ﴾ فيه معنى الشرط، وأما قوله: ﴿ وَفُتِحَتْ﴾ في الجنة فهذه واو الحال، كأنه قال: جاءوها وهي مفتحة الأبواب، أو: هذه حالها. وهذا هو القول الصحيح؛ لأن النار تكون مغلقة حتى يردوها، وفي ذلك اشتداد لحرارتها، ولأن من العادة أن يهان المعذبون بالسجون، فتغلق حتى يأتوها، ومن العادة أيضا أن يكرم المنعمون بفتح الأبواب قبل وصولهم إليها، ويؤيده قوله تعالى في سورة أخرى: ﴿ هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآَبٍ ﴿ 49 ﴾ جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ ﴿ 50﴾ [ص: 49 , 50]. وأما واو الثمانية التي أشار إليها ابن خالويه فهي التي تلحق الثامن من الأعداد وغيرها، فالعرب تقول: واحد، اثنان، ثلاثه، أربعه، خمسه، سته، سبعه، وثمانيه، وجعل الحريري منها قوله تعالى:﴿ التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآَمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴿ 112 ﴾ [التوبة: 112] . وابن خالويه يرى أن أبواب الجنة ثمانية، لذلك دخلت الواو، وتابعه في ذلك أبو القاسم الحريري، وقيل : أن الواو زائدة، والصحيح أنها حالية كما سبق.

ﵟ وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ﵞ سورة الزمر - 73

ﵟ وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَرًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا ۚ قَالُوا بَلَىٰ وَلَٰكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ ﵞ سورة الزمر - 71

ﵟ هَٰذَا ذِكْرٌ ۚ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ ﵞ سورة ص - 49

ﵟ جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ ﵞ سورة ص - 50

ﵟ التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﵞ سورة التوبة - 112


Icon