الوقفات التدبرية

قوله تعالى: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ...

قوله تعالى: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ﴾[الأحقاف: 35] . خصت الساعة بكونها من ساعات النهار، لا من ساعات الليل؛ لأن النهار يقصر بسبب التشاغل فيه، ويشبه حينئذ بإبهام القطاة, أو بسالفة الذباب، أو بظل الوتد، قال جرير ويوم كإبهام القطاة تخايلت ضحاه وطابت بالعشي أصائله وقال الآخر: ويوم عند دار أبي نعيم قصير مثل سالفة الذباب وتقول العرب: (يوم أقصر من ظل الوتد)، وقال الشاعر: فهذا طويل كظل القناة وهذا قصير كظل الوتد وقال الخوارزمي: ولازالت عداك بكل أرض لهم من سوء ظنهم نذير قصير نهارهم خوف طويل بهم وطويل عمرهم قصير وهكذا هو شأن ساعات النهار، مالم يكن ثم ما يخالف المعتاد، كأن يكون الناظر إلى النهار مدينا؛ فإنه يرى ساعاته (أثقل من ثهلان)؛ لما يلقي فيه من هموم مناجزة الغرماء، وأنى لمثله صبر؟ وقد قيل: (أثقل من الصبر على العدم)، وقد تمنى بعض المثقلين بالدين، المبتلين بالفقر، تمنى دوام الليل؛ لما يجد في النهار من الدائنين ولما يحتاج إليه من النفقة في كل يوم، فقال: ألا ليت النهار يعود ليلا فإن الصبح يأتي بالهموم حوائج لا نطيق لها قضاء ولا ردا وروعات الغريم أما الليل فإنه يوصف عادة بالطول، وكذلك ساعاته. يقول التنوخي: وليلة كأنها طول الأمل ظلامها كالدهر ما فيه خلل كأنما الإصباح فيها باطل أزهقه الله لحق فبطل ساعتها أطول من يوم النوى وليلة الهجر وساعات العذل موصدة على الورى أبوابها كالنار لا يخرج منها من دخل ولا تقتصر ساعاته إلا على الراقد فيه، قالت العرب في الأمثال: (أقصر من الليل على الراقد)، وقيل: (ما أقصر الليل على الراقد!)، وقال ديك الجن : من نام لم يدر طال الليل أم قصرا ما يعرف الليل إلا عاشق سهرا أما على الساهر والمحب فيضرب به المثل في الطول، قال البحراني: أما لهذا الليل من آخر قد بلغ التسهيد من ناظر بت وما أعرف طيب الكرى ما أطول الليل على الساهر!! وقال خالد الكاتب: رقدت ولم ترث للساهر وليل المحب بلا آخر والمراد بقوله في الآية الكريمة ﴿لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ﴾ تقليل مدة لبثهم في الحياة الدنيا حين يرون العذاب، فشبهها بساعة من النهار تنقضي بسرعة، فالله أكبر، ما أجمل هذا البيان، وأبلغه!!!.

ﵟ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ ۚ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ۚ بَلَاغٌ ۚ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ ﵞ سورة الأحقاف - 35


Icon