الوقفات التدبرية

قوله تعالى: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ [القمر: 49]...

قوله تعالى: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ [القمر: 49] . قرأ القراء السبعة: ﴿كُلَّ شَيْءٍ ﴾ بنصب ﴿ كُلَّ ﴾، وهو الراجح، ورفع ﴿كُلّ﴾، وهي قراءة أبي السمال، مرجوح؛ لأنه اسم مشتغل عنه، حيث نصب العامل بعده ضميره ﴿خَلَقْنَاهُ﴾، فيكون الراجح نصب الاسم المشتغل عنه بفعل مقدر، يفسره الفعل المذكور، والتقدير: (إنا خلقنا كل شيء خلقناه بقدر)، ورفعه غير راجح؛ لأنه قد يوهم أن الجملة المذكورة:﴿خَلَقْنَاهُ﴾ صفة لـ﴿شَيْءٍ ﴾، فيكون المعنى: (إنا كل شئ مخلوق بقدر)، فأفهم ذلك أن مخلوقا ما يضاف إلى غير الله تعالى ليس بقدر، وهذا ما يميل إليه المعتزلة، كأبي علي الفارسي والزمخشري؛ لأنهم يقسمون المخلوقات إلى مخلوق لله، ومخلوق لغير الله، والقسم الأخير عندهم هو أفعال العباد الاختيارية، وأفعال الشر، مع أن هذه الآية صريحة الدلالة على خلق كل شئ من قبل الله تعالى، ولذلك قال أبن المنير –رحمه الله- في كتابه (الانتصاف فيما تضمنه الكشاف من الاعتزال): "لكن الزمخشري لما كان من قاعدة أصحابه تقسيم المخلوقات إلى مخلوق لله، ومخلوق لغير الله، فيقولون: هذا لله، بزعمهم، وهذا لنا، فغرت هذه الآية فاه، وقام إجماع القرّاء حجة عليه، فأخذ يستروح إلى الشقاء، وينقل قراءتها بالرفع، فليراجع له، ويعرض عليه إعراض القراء السبعة عن هذه الرواية".

ﵟ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﵞ سورة القمر - 49


Icon