الوقفات التدبرية

قوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ...

قوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ ﴾[الملك: 19]. في هذه الآية الكريمة قال: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ ﴾, و﴿رأى﴾: الأصل في معناهاإذا كانت بصرية الرؤية دون قصد مسبق, أما ﴿نظر﴾ فالأصل في معناها: الرؤية المقصودة, فتقول: نظرت إلى القمر, ورأيته, فالأول جاء بعد قصد النظر إليه, والثاني جاء دون قصد. قال الراغب الأصفهاني في (المفردات): " إذا عدى ﴿رأيت﴾ بـ ﴿إِلَى ﴾ اقتضى معنى النظر المؤدي إلى الاعتبار", فضمنت ﴿لَمْ يَرَوْا﴾ معنى (لم ينظروا), والدليل تعدي الفعل بـ ﴿إِلَى ﴾؛ لأن المقصود – والله أعلم- رؤية الطير حالة كون الرائين قاصدين أو غير قاصدين, وكأنه يقول: انظروا إليها معتبرين. وفي هذه الآية تنبيهات أود الإشارة إليها بإيجاز: التنبيه الأول:قوله: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا﴾ هذا القول مكون من: همزة الاستفهام, وواو العطف, والفعل المجزوم بـ ﴿لَمْ ﴾, والمعطوف عليه مقدر, والتقدير: أغفلوا؟ , ولم يروا؟ , وحذف المعطوف عليه يكثر في مثل هذا الأسلوب. التنبيه الثاني:فائدة قوله: ﴿فَوْقَهُمْ ﴾ طلب النظر والاعتبار فيها في حالة طيرانها؛ لأنها إذا لم تكن في حال الطيران فلا بسط فيها, ولا قبض, وأمكن اصطيادها بسهولة, أما إضافة كلمة ﴿فوق﴾ إلى الضمير ﴿هم﴾, حيث قال: ﴿فَوْقَهُمْ ﴾؛ ليدل على قربها منهم, وأنه لا يطلب منهم الاعتبار بشئ بعيد عنهم, وعسير عليهم بلوغه. التنبيه الثالث:التعبير عن بسط الأجنحة بالاسم: ﴿صَافَّاتٍ ﴾, وعطف القبض عليه بالفعل﴿يَقْبِضْنَ﴾؛ لأن الطيران أكثره بسط للأجنحة, وقبضها قليل, لا يلجأ إليه الطائر إلا عندما يهم بالهبوط, فكأن الأصل في الطيران البسط, فعبر عنه بالاسم؛ لأن الاسم يدل على الثبوت والدوام, وبما أن القبض فرع عليه يتجدد عند الحاجة عبر عنه بالفعل الذي يدل على التجدد والحدوث. التنبيه الرابع:مجيء اسم ﴿الرَّحْمَنُ ﴾ في الآية دون سائر أسماء الله الحسنى في قوله: ﴿مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ ﴾ إشارة إلى رحمة الله تعالى بهذه الطيور حيث خلقها على هيئة تمكنها من السلامة من الأذى بالطيران والبعد عن مواطن الخطر. والله أعلم.

ﵟ أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ ۚ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَٰنُ ۚ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ ﵞ سورة الملك - 19


Icon