الوقفات التدبرية

قوله تعالى: ﴿إِنَّاأَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ﴿1﴾ فَصَلِّ...

قوله تعالى: ﴿إِنَّاأَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ﴿1﴾ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ﴿2﴾ ﴾ [الكوثر: 1، 2] يفرق علماء اللغة بين ﴿أعطى﴾و﴿آتى﴾، فيجعلون الإيتاء أقوى من الإعطاء، ويستشهدون على ذلك بقوله تعالى: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ﴾[آل عمران: 26]، ويقولون: إن الملك شئ عظيم لا يعطيه الله إلا من له قوة، ولذلك تأمل قوله: ﴿ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ ﴾ تجدها قوية دالة على تمكن الملك قبل النزع. إذا عرفت هذا فربما قلت: كيف استعمل في سورة ﴿الكوثر﴾ الإعطاء، فقال: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ﴾، ولم يقل: (إنا آتيناك الكوثر)؟. فقال الزركشي –رحمه الله- في تعليل ذلك: " لأن النبيصلى الله عليه وسلموأمته يردون على الحوض ورود النازل على الماء، ويرتحلون إلى منازل العز، والأنهار الجارية في الجنان، والحوض للنبي صلى الله عليه وسلموأمته عند عطش الأكباد قبل الوصول إلى المقام الكريم، فقال فيه: ﴿إِنَّاأَعْطَيْنَاكَ﴾؛ لأنه يترك ذلك عن قرب، وينتقل إلى ما هو أعظم منه". والله أعلم. وتأمل قوله تعالى: ﴿فَصَلِّ﴾ تجده قرن الفعل بالفاء، وقد أفادت معنيين: "أحداهما:جعل الإنعام الكثير سببا للقيام بشكر المنعم وعبادته. وثانيهما:جعله سببا لترك المبالاة بقوله العدو؛ فإن سبب نزول هذه السورة أن العاص بن وائل قال: إن محمداً صنبور، فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله هذه السورة". وتأمل كيف أظهر الاسم بعد إضماره، فقال: ﴿لِرَبِّكَ﴾، ولم يقل: ﴿لي﴾، ولا: ﴿لنا﴾؛ للتنبيه على أنه تعالى أهل لأن يصلى له؛ لربوبيته، حيث خلق الخلق، وأبدعه، وأنشأه بنعمته، وفيه تعريض بدين العاص بن وائل وأشباهه ممن كانت عبادته ونحره لغير الله. وقال الإمام فخر الدين الرازي عن قوله:﴿ لِرَبِّكَ ﴾ : "فيه حسنان: وردوه على طريق الالتفات التي هي أم من الأمهات، وصرف الكلام عن لفظ المضمر إلى لفظ المظهر، وفيه إظهار لكبرياء شأنه، وإبانة لعزة سلطانه، ومنه أخذ الخلفاء قولهم: يأمرك أمير المؤمنين بكذا. وعن عمر – رضي الله عنه – أنه حين خطب الأزدية إلى أهلها قال لهم: خطب إليكم سيد شباب قريش مروان بن الحكم، وسيد أهل المشرق جرير بن بجلية، ويخطب إليكم أمير المؤمنين على نفسه".

ﵟ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ﵞ سورة الكوثر - 1

ﵟ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ﵞ سورة الكوثر - 2

ﵟ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﵞ سورة آل عمران - 26


Icon