الوقفات التدبرية

* * * قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ...

* * * قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المائدة: 6]. إن للنحو أثر كبيرة في استنباط الأحكام الفقهية من أدلة الكتاب والسنة ؛ لأنهما بلسان عربي مبين، مبني على قواعد نحوية وصرفية،يجب على الفقيه حذها، ومعرفة أسرارها، قبل أن يباشر الإفتاء والاجتهاد، قال الرازي : «اعلم أن معرفة اللغة والنحو والتصريف فرض كفاية ؛ لأن معرفة الأحكام الشرعية واجبة بالإجماع، ومعرفة الأحكام دون معرفة أدلتها مستحيل، فلا بد من معرفة أدلتها، والأدلة راجع إلى الكتاب والسنة، وهما واردان بلغة العرب ونحوهم وتصريفهم، فإذا يتوقف العلم بالأحكام على الأدلة، ومعرفة الأدلة تتوقف على معرفة اللغة والنحو والتصريف، وما يتوقف على الواجب المطلق - وهو مقدور للمكلف . فهو واجب، فإذا معرفه اللغة والنحو والتصريف واجبة» انتهى كلامه. ونظرة إلى اختلاف الآراء في بعض المسائل النحوية اختلفت بعض الأحكام الفقهية، وقد ألف بعض العلماء كتب في هذا الشأن، ومن تلك الكتب کتاب (الكوكب الدري فيما يتخرج على الأصول النحوية من الفروع الفقهية) لجمال الدين الإسنوي. وفي هذه الآية التي بين أيدينا يرد سؤال هو: هل المرافق والكعبان داخله في الغسل؟ في جوابه قولان : المتأخرون من أصحاب مالك يرون أن المرفق والكعب غير داخلين في وجوب الغسل؛ لأنهم يرجحون أما بعد ﴿إلى﴾ غیر داخل في حكم ما قبلها، كما سبق تفصيله). وجمهور العلماء يرون وجوب إدخالهما في العسل؛ لأنهم يرجحون أن ما بعد إلى داخل في حكم ما قبلها إذا كان من جنسه، المفعول به ، فالتقدير : امسحوا رؤوسكم، أو أن معنى الباء الإلصاق، فالمسح لجميع الرأس، وهذا ما رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله. حيث قال في الفتاوى : لو قال: فامسحوا رؤوسكم أو وجوهكم، لم تدل على ما يلتصق بالمسح، فإنك تقول: مسحت رأس فلان، وإن لم يكن بيدك بكل ، فإذا قيل: فامسحوا برؤوسكم وبوجوهكم، ضمن المس معنى الإلصاق، فأفاد أنكم تلصقون نظرات لغوية في القرآن الكريم برؤوسكم وبوجوهكم شيئا بهذا المسح». القول الثاني: قول أبي حنيفة والشافعي وهو أن المجزي هو مس بعض الشعر؛ لأن الماء عندهما للتبعيض، فهي بمعنى ﴿من﴾، كقوله تعالى : عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ] المطففين : ۲۸] أي : منها، بل قال الشافعي: إنه يجزئ مسح شعرة واحدة . والله أعلم .

ﵟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ۚ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ۚ وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ۚ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَٰكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﵞ سورة المائدة - 6


Icon