الوقفات التدبرية

قوله تعالى : قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ...

قوله تعالى : قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ [الأنعام: 11[ قال في هذه الآية الكريمة : ثم انظروا ، وفي غيرها قال : وانظروا)، ومعلوم أن ﴿ثم﴾ تدل على الترتيب مع التراخي، والفاء تدل على التعقيب ، والسر في ذلك . والله أعلم أن الأمر بالسير في هذه الآية وقع في سياق الحديث عن قرون غابرة؛ إذ قال الله تعالی قبلها : أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ[الأنعام: 6]، فلكثرة القرون ، وإيغالها في أزمنة متطاولة، ناسب معه استعمال التي تدل على التراخي والبعد، أما في غيرها من الآيات فلم تذكر فيه القرون، وإنما كرت العبر، كقوله تعالی : قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ [آل عمران: ۱37] ، ولهذا حسنت الفاء هنا دون الآية الأولى . وقال الخطيب الإسكافي: « إن قوله: سيروا في الأرض فانظروا » يدل على أن السير يؤدي إلى النظر، فيقع بوقوعه، وليس كذلك ثم هو ، ألا ترى أن الفاء وقعت في الجزاء، ولم تقع فيه ثم ه ، فقوله في سورة الأنعام: قل سيروا في الأرض ثم انظروا ه لم يجعل النظر فيه واقعأ عقيب السير، متعلقة وجوده بوجوده ؛ لأنه بعث على سير بعد سير؛ لما تقدم من الآية التي تدل على أنه تعالی حداهم على استقراء البلاد ومنازل أهل الفساد، وأن يستكثروا من ذلك ؛ ليروا أثرا بعد أثر في ديار بعد دیار ، قد عم أهلها بذمار ... فدعا إلى العلم بذلك بالسير في البلاد و مشاهدة هذه الآثار، وفي ذلك ذهاب ازمنة كثيرة ومدد طويلة، تمنع النظر من ملاصقة السير، كما قال في المواضع الأخر التي دخلتها الفاء؛ لما قصد من معنى التعقيب ، واتصال النظر بالسير؛ إذ ليس في شيء من الأماكن التي استعملت فيها الفاء ما في هذا المكان من البعث على استقراء الديار وتأمل الآثار ، فجعل السير في الأرض في هذا الموضع مأمورة به على حدة ، والنظر بعده مأمورة به على حدة، وسائر الأماكن التي دخلتها الفاء علق فيها وقوع النظر بوقوع السير؛ لأنه لم يتقدم الآية ما يحدو على السير الذي حدا عليه فيما قبل هذه الآية ، فلذلك څصت بومه التي تفيد تراخي المهملة بين الفعلين . والله أعلم

ﵟ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﵞ سورة الأنعام - 11

ﵟ أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ ﵞ سورة الأنعام - 6

ﵟ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﵞ سورة آل عمران - 137


Icon