الوقفات التدبرية

قوله تعالى : إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي...

قوله تعالى : إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ » [یوسف: 4]. إن المتدبر لسورة ﴿يوسف﴾ يبكي قلبه قبل عينه على ما فيها من ابتلاء و امتحان ليوسف و أبيه يعقوب - عليهما السلام - تجرعاهما من أقرب الناس إليهما، ويبهره أسلوب عرض القصة ؛ فهو أسلوب أذهل أهل مكة الذين كانت تعجبهم أقاصيص الروم والفرس حين كان النضر بن الحارث يفاخر بها رسولنا محمدا ، ويقول لقومه : ( أنا - والله - أحسن حديثة من محمد، فهلم أحدكم أحسن من حديثه)، فأنزل الله تعالی علی رسوله * هذه السورة التي حوت أرقى الأساليب، فتأخذ بسويداء القلب؛ لأنها كما قال سيد قطب - رحمه الله - : « تمثل النموذج الكامل لمنهج الإسلام في الأداء الفني للقصة، ذلك الأداء الصادق الرائع بصدقه العميق، وواقعيته السليمة ، المنهج الذي لا يهمل خلجة بشرية واقعية واحدة، وفي الوقت ذاته لا ينشئ مستنقعا من الوحل، يسميه (الواقعية)، كالمستنقع الذي أنشأته الواقعية الغربية الجاهلية . انتهى كلامه رحمه الله. وما قرأت هذه السورة يوما إلا أحسست بقلبی یکاد بخرق صدري ما أطلع عليه، وأتفكر فيه من جمال لغوي في آياتها، والسورة جديرة بدراسة الإعجاز القرآني فيها. وبين أيدينا وقفة تأمل للآية الرابعة من السورة، إذ نعلم أن الكواكب والشمس والقمر غیر عاقلة ، وكان الأنسب في الكلام البشري أن يقال : (رأيتها لي ساجدة)، ولكنه عدل عن ذلك، وأعاد عليها ضمير العاقلين ، وجمع الحال جمع مذكر سالما، فقال : رأيتهم لي ساجدين ؛ لأنه لما وصف النجوم بالطاعة والسجود - وهي من أفعال العقلاء - نزلها منزلتهم؟). ثم تأملوا تكرار الرؤيا حيث قال: رأيتهم، وذلك ليدل علىحقيقة رؤياه وتيقنه منها، وأنها ليست أضغاث أحلام، كما أن تقديم الجار والمجرور ولي على عامله في ساجدين إنما هو لإظهار العناية والاهتمام بالدلالة على التخصيص، فكأنه قال : رأيتهم ساجدين لي ليس لغيري، ولذلك بادره أبوه قائلا : يا بني لا تقصص رعبا على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين ) [يوسف: 5]؛ لعلمه بصدق رؤيا ابنه، وأنه سوف يحسد على فضل الله عليه من أقرب الناس إليه ؛ لعظم ما أختصه الله به . وما هو جدير بالإشارة إليه أن اللغة العربية تطلق ﴿الرؤيا﴾ على الأحلام، و ( الرؤية ) على ما يراه المرء ببصره أو بعلمه.

ﵟ إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ ﵞ سورة يوسف - 4


Icon