الوقفات التدبرية

قال تعالى في سورة البقرة: ﴿وَإِن كُنتُمۡ فِي رَيۡبٖ مِّمَّا...

قال تعالى في سورة البقرة: ﴿وَإِن كُنتُمۡ فِي رَيۡبٖ مِّمَّا نَزَّلۡنَا عَلَىٰ عَبۡدِنَا فَأۡتُواْ بِسُورَةٖ مِّن مِّثۡلِهِۦ وَٱدۡعُواْ شُهَدَآءَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ٢٣ فَإِن لَّمۡ تَفۡعَلُواْ وَلَن تَفۡعَلُواْ فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِي وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلۡحِجَارَةُۖ أُعِدَّتۡ لِلۡكَٰفِرِينَ٢٤﴾ [البقرة: 23-24]. وقال في سورة يونس: ﴿أَمۡ يَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰهُۖ قُلۡ فَأۡتُواْ بِسُورَةٖ مِّثۡلِهِۦ وَٱدۡعُواْ مَنِ ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ٣٨ بَلۡ كَذَّبُواْ بِمَا لَمۡ يُحِيطُواْ بِعِلۡمِهِۦ وَلَمَّا يَأۡتِهِمۡ تَأۡوِيلُهُۥۚ كَذَٰلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۖ فَٱنظُرۡ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلظَّٰلِمِينَ﴾ [يونس: 38-39]. وقال في سورة هود: ﴿أَمۡ يَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰهُۖ قُلۡ فَأۡتُواْ بِعَشۡرِ سُوَرٖ مِّثۡلِهِۦ مُفۡتَرَيَٰتٖ وَٱدۡعُواْ مَنِ ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ١٣ فَإِلَّمۡ يَسۡتَجِيبُواْ لَكُمۡ فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَآ أُنزِلَ بِعِلۡمِ ٱللَّهِ وَأَن لَّآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ فَهَلۡ أَنتُم مُّسۡلِمُونَ﴾ [هود: 13-14]. سؤال: أ – لماذا قال في البقرة: ﴿فَأۡتُواْ بِسُورَةٖ مِّن مِّثۡلِهِۦ﴾ بذكر ﴿مِّن﴾ مع المثل ولم يذكرها في يونس ولا في هود؟ ب – لماذا قال في البقرة: ﴿وَٱدۡعُواْ شُهَدَآءَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ﴾، وقال في يونس وهود: ﴿وَٱدۡعُواْ مَنِ ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِين﴾؟ ج – لماذا شدد التحذير في البقرة فقال: ﴿فَإِن لَّمۡ تَفۡعَلُواْ وَلَن تَفۡعَلُواْ فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِي وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلۡحِجَارَةُۖ أُعِدَّتۡ لِلۡكَٰفِرِينَ﴾. ولم يقل مثل ذلك في يونس ولا هود؟ د- ولماذا قطع بعدم الفعل بعد الشرط في البقرة، فقال: ﴿وَلَن تَفۡعَلُواْ﴾؟ الجواب: أ – إن معنى: (ائتني بشيء من مثله) يختلف عن قولك: (ائتني بشيء مثله)، فإن قولك: (ائتني بشيء من مثله) يعني افتراض أن له مثلاً فتقول: ائتني بشيء من هذا المثل. يقال: إن لهذا الشيء أمثالاً. فتقول: ائتني بشيء من مثله أي من هذه الأمثال. أما قولك: (ائتني بشيء مثله) فإنك لا تفترض أن له مثلاً فقد يكون أن له مثلاً أو لا يكون فاستحدث أنت مثله كأن تقول لصاحبك: ائتني بشعر مثل هذا أي بشعر مماثل له سواء كان مستحدثًا أم موجودًا. وبعد هذه المقدمة في التفريق بين معنيي ﴿من مثله﴾ و ﴿مثله﴾ نقول: ب- قوله: ﴿وَإِن كُنتُمۡ فِي رَيۡبٖ مِّمَّا نَزَّلۡنَا عَلَىٰ عَبۡدِنَا﴾ أعم من قوله: ﴿أَمۡ يَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰهُۖ﴾ في يونس وهود لأن مظنة الافتراء واحد من أمور الريبة. فالريبة قد تكون من مظنة الافتراء أو غيره، فإنهم قالوا: ساحر أو مجنون أو يعلّمه بشر وما إلى ذلك. ج – قوله في البقرة: ﴿وَإِن كُنتُمۡ فِي رَيۡبٖ مِّمَّا نَزَّلۡنَا عَلَىٰ عَبۡدِنَا﴾ يحتمل أن يكون من مثل القرآن أو من مثل الرسول أي من شخص أمي لم يتعلم. وهو أعم مما في الآيتين في يونس وهود فإنهما نص في أن المطلوب أن يأتوا بمثل القرآن. فناسب العموم العموم، وإن كان المعنى الأول هو الأظهر. د – حذف مفعولي ﴿تَفۡعَلُواْ﴾ و﴿وَلَن تَفۡعَلُواْ﴾ مجانسة للإطلاق وإن كان المقصود معلومًا. هـ - قال في يونس وهود: ﴿أَمۡ يَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰهُۖ﴾ فقال: ﴿فَأۡتُواْ بِسُورَةٖ مِّثۡلِهِۦ﴾ أو: ﴿بِعَشۡرِ سُوَرٖ مِّثۡلِهِۦ مُفۡتَرَيَٰتٖ﴾ أي افتروا أنتم كما افترى. و- لا يحسن بعد قوله: ﴿وَإِن كُنتُمۡ فِي رَيۡبٖ مِّمَّا نَزَّلۡنَا عَلَىٰ عَبۡدِنَا﴾ أن يقال: (فائتوا بسورة من مثله مفتراة) من جهتين: الأولى: أنهم لم يقولوا: ﴿افتراه﴾ كما في آيتي يونس وهود. والجهة الأخرى: أنه لا يحسن بعد قوله: ﴿مِّن مِّثۡلِهِۦ﴾ أن يقول: (مفتراة) لأنه افترض أن له مثلاً فهو إذن ليس مفترى. ز- وعلى هذا لا يحسن أن يقال: (أم يقولون افتراه فائتوا بسورة من مثله) لأنه افترض أن له مثلاً فهو إذن ليس بمفترى. ح- لا يحسن بعد قوله: ﴿أَمۡ يَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰهُۖ﴾ في يونس وهود أن يقال: ﴿فَأۡتُواْ بِسُورَةٖ مِّثۡلِهِۦ﴾. فإنهم قالوا: ﴿افتراه﴾ وإذن ليس له مثل. وقوله: ﴿من مثله﴾ يقتضي أن له مثلاً، وإنما ينبغي أن يقال: (فائتوا بسورة مثله)، أي: افتروا أنتم أيضًا. ط – لم يقل في البقرة: ﴿وادعوا من استطعتم من دون الله﴾ لأنه افترض أن له مثلاً، ومعنى ذلك أن هناك من استطاع أن يفعل، إ ذن فليأتوا بشيء مما فعله المستطيع. فإن الغرض من دعوة من استطاعوا أن يفعلوا مثله وهو قد افترض أن له مثلاً فدعاهم إلى أن يأتوا بشيء مما فعله هؤلاء. ي – قال: ﴿وَٱدۡعُواْ شُهَدَآءَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ﴾ أي: ادعوا من يشهد لكم أن هذا الكلام مثل هذا. وعلى هذا فالآية تقتضي دعاء من استطاعوا ودعاء الشهداء، فالأوّلون دعاهم بقوله: ﴿مِّن مِّثۡلِهِۦ﴾ لأنه افترض أن هناك من استطاع أن يأتي بمثله، والشهداء دعاهم للشهادة. وهذا أوسع وأعم فناسب العموم العموم. ك – ذكر بعد آية البقرة أن يتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة لأن الذي لا يؤمن بعد إقامة الحجة عليه ولم يستعمل عقله إنما هو بمنزلة الحجارة فقرن بينهما. ل – لما قال في أول سورة البقرة: ﴿ذَٰلِكَ ٱلۡكِتَٰبُ لَا رَيۡبَۛ فِيهِۛ﴾ ناسب أن يقول: ﴿وَإِن كُنتُمۡ فِي رَيۡبٖ﴾. كما ناسب أن يقطع بعدم الاستطاعة على الفعل بقوله: ﴿وَلَن تَفۡعَلُواْ﴾ لأنه ذكر ابتداء أنه لا ريب فيه. (أسئلة بيانية في القرآن الكريم - الجزء الأول – صـ8: 11)

ﵟ وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﵞ سورة البقرة - 23

ﵟ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ۖ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ﵞ سورة البقرة - 24

ﵟ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۖ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﵞ سورة يونس - 38

ﵟ بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ ۚ كَذَٰلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ۖ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ﵞ سورة يونس - 39

ﵟ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۖ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﵞ سورة هود - 13

ﵟ فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﵞ سورة هود - 14


Icon