الوقفات التدبرية

قال تعالى في آل عمران: ﴿فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَقُولُواْ ٱشۡهَدُواْ...

قال تعالى في آل عمران: ﴿فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَقُولُواْ ٱشۡهَدُواْ بِأَنَّا مُسۡلِمُونَ﴾ (64) وقال في سورة هود: ﴿قَالَ إِنِّيٓ أُشۡهِدُ ٱللَّهَ وَٱشۡهَدُوٓاْ أَنِّي بَرِيٓءٞ مِّمَّا تُشۡرِكُونَ٥٤ مِن دُونِهِۦۖ﴾ (54، 55). سؤال: لماذا قال في آية عمران: ﴿ٱشۡهَدُواْ بِأَنَّا مُسۡلِمُونَ﴾ فجاء بالباء مع ﴿أنا﴾ ولم يذكرها في قوله: ﴿وَٱشۡهَدُوٓاْ أَنِّي بَرِيٓءٞ﴾ فلم يقل: (بأني بريء) مع أن الفعل فيهما واحد وهو قوله: ﴿اشهدوا﴾؟ الجواب: إن الباء مُقدرة في قوله تعالى: ﴿وَٱشۡهَدُوٓاْ أَنِّي بَرِيٓءٞ﴾ والمصدر المؤول منصوب على نزع الخافض لأن ﴿شهد﴾ بهذا المعنى يتعدى بالباء وذلك نحو قوله تعالى: ﴿إِلَّا مَن شَهِدَ بِٱلۡحَقّ﴾ (الزخرف :86)، وقوله: ﴿وَمَا شَهِدۡنَآ إِلَّا بِمَا عَلِمۡنَا﴾ (يوسف: 81). ومعلوم أن الذكر أقوى وآكد من الحذف فقوله: ﴿ٱشۡهَدُواْ بِأَنَّا مُسۡلِمُونَ﴾ أقوى وآكد من قوله: ﴿وَٱشۡهَدُوٓاْ أَنِّي بَرِيٓءٞ﴾ وسياق كل الآيتين يوضح ذلك. قال تعالى في آل عمران: ﴿قُلۡ يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ تَعَالَوۡاْ إِلَىٰ كَلِمَةٖ سَوَآءِۢ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمۡ أَلَّا نَعۡبُدَ إِلَّا ٱللَّهَ وَلَا نُشۡرِكَ بِهِۦ شَيۡ‍ٔٗا وَلَا يَتَّخِذَ بَعۡضُنَا بَعۡضًا أَرۡبَابٗا مِّن دُونِ ٱللَّهِۚ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَقُولُواْ ٱشۡهَدُواْ بِأَنَّا مُسۡلِمُونَ٦٤﴾ [آل عمران: 64]. وقال في سورة هود: ﴿إِن نَّقُولُ إِلَّا ٱعۡتَرَىٰكَ بَعۡضُ ءَالِهَتِنَا بِسُوٓءٖۗ قَالَ إِنِّيٓ أُشۡهِدُ ٱللَّهَ وَٱشۡهَدُوٓاْ أَنِّي بَرِيٓءٞ مِّمَّا تُشۡرِكُونَ٥٤ مِن دُونِهِۦۖ فَكِيدُونِي جَمِيعٗا ثُمَّ لَا تُنظِرُونِ٥٥﴾ [هود: 54-55]. ومن النظر في كل من الموضعين يتضح أن ما ذكره رسول الله آل عمران أكثر مما قاله نبي الله هود في سورة هود. فقد قال في آل عمران: 1- ﴿أَلَّا نَعۡبُدَ إِلَّا ٱللَّهَ﴾ 2- ﴿وَلَا نُشۡرِكَ بِهِۦ شَيۡ‍ٔٗا﴾ 3- ﴿ا وَلَا يَتَّخِذَ بَعۡضُنَا بَعۡضًا أَرۡبَابٗا مِّن دُونِ ٱللَّهِۚ﴾ وأما في هود فقد ذكر البراءة من الشرك فقط فقال: ﴿أَنِّي بَرِيٓءٞ مِّمَّا تُشۡرِكُونَ٥٤ مِن دُونِهِۦۖ﴾، وهو واحد مما جاء في آل عمران. ثم لو نظرنا فيما جاء عن الشرك في كل الموضعين لوجدنا أن ما في آل عمران أقوى وأعم فقد قال فيها: ﴿وَلَا نُشۡرِكَ بِهِۦ شَيۡ‍ٔٗا﴾ أي: أيّ شيء كان، وهذا التعبير يحتمل معنيين: لا نشرك به شيئًا من الشرك ولا نشرك به شيئًا من الأشياء. في حين قال في هود: ﴿أَنِّي بَرِيٓءٞ مِّمَّا تُشۡرِكُونَ٥٤ مِن دُونِهِۦۖ﴾ فإنه ذكر البراءة مما يشرك قومه. فكان ما في آل عمران أعم وأشمل لأنه نفى كل أنواع الشرك ويدخل فيه ما ذكره في هود. فكان ما في آل عمران أقوى وآكد وأعم فناسب ذكر الباء فيه، ولما كان ما في هود جزءًا مما ذكر في آل عمران ناسب الحذف، والحذف في نحو هذا قياس كما هو معلوم. (أسئلة بيانية في القرآن الكريم - الجزء الأول – صـ 33 : 35)

ﵟ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ۚ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﵞ سورة آل عمران - 64

ﵟ إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ ۗ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ ﵞ سورة هود - 54

ﵟ مِنْ دُونِهِ ۖ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ ﵞ سورة هود - 55


Icon