الوقفات التدبرية

قال تعالى في آل عمران: ﴿يَقُولُونَ بِأَفۡوَٰهِهِم مَّا لَيۡسَ فِي...

قال تعالى في آل عمران: ﴿يَقُولُونَ بِأَفۡوَٰهِهِم مَّا لَيۡسَ فِي قُلُوبِهِمۡۚ﴾ (167)، وقال في سورة الفتح: ﴿يَقُولُونَ بِأَلۡسِنَتِهِم مَّا لَيۡسَ فِي قُلُوبِهِمۡۚ﴾ (11) سؤال: لماذا قال في آية آل عمران: ﴿يَقُولُونَ بِأَفۡوَٰهِهِم﴾، وقال في الفتح: ﴿يَقُولُونَ بِأَلۡسِنَتِهِم﴾؟ الجواب: إن الأفواه أعمّ وأشمل من الألسنة، فإن اللسان جزء من الفم، والمناسب أنه إذا كان القول كبيرًا عظيمًا ذُكرت الأفواه، وإذا كان أقل ذُكرت الألسنة مناسبة لكل حالة. وعلى هذا فقوله: يدل على أن القول أعظم وأكبر، والأمر كذلك. فإن السياق في آل عمران إنما هو في المتخلفين عن القتال في أُحد، فقد دُعوا إلى القتال أو الدفع عن المدينة فامتنعوا قائلين:﴿لَوۡ نَعۡلَمُ قِتَالٗا لَّٱتَّبَعۡنَٰكُمۡۗ﴾ ، قال تعالى:﴿وَلِيَعۡلَمَ ٱلَّذِينَ نَافَقُواْۚ وَقِيلَ لَهُمۡ تَعَالَوۡاْ قَٰتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَوِ ٱدۡفَعُواْۖ قَالُواْ لَوۡ نَعۡلَمُ قِتَالٗا لَّٱتَّبَعۡنَٰكُمۡۗ هُمۡ لِلۡكُفۡرِ يَوۡمَئِذٍ أَقۡرَبُ مِنۡهُمۡ لِلۡإِيمَٰنِۚ يَقُولُونَ بِأَفۡوَٰهِهِم مَّا لَيۡسَ فِي قُلُوبِهِمۡۚ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا يَكۡتُمُونَ١٦٧ ٱلَّذِينَ قَالُواْ لِإِخۡوَٰنِهِمۡ وَقَعَدُواْ لَوۡ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُواْۗ قُلۡ فَٱدۡرَءُواْ عَنۡ أَنفُسِكُمُ ٱلۡمَوۡتَ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ﴾ [آل عمران: 167-168] . ومما قيل في معنى قوله: ﴿لَوۡ نَعۡلَمُ قِتَالٗا لَّٱتَّبَعۡنَٰكُمۡۗ﴾ إننا لا نُحسن القتال، ولو كُنا نحسن القتال لاتبعناكم. وأما المذكورون في سورة الفتح فهم المتخلفون عن عُمرة الحُديبية فهم لم يذهبوا إلى العُمرة مع الرسول مُعتلين بالشُّغل، قال تعالى: ﴿سَيَقُولُ لَكَ ٱلۡمُخَلَّفُونَ مِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ شَغَلَتۡنَآ أَمۡوَٰلُنَا وَأَهۡلُونَا فَٱسۡتَغۡفِرۡ لَنَاۚ يَقُولُونَ بِأَلۡسِنَتِهِم مَّا لَيۡسَ فِي قُلُوبِهِمۡۚ قُلۡ فَمَن يَمۡلِكُ لَكُم مِّنَ ٱللَّهِ شَيۡ‍ًٔا إِنۡ أَرَادَ بِكُمۡ ضَرًّا أَوۡ أَرَادَ بِكُمۡ نَفۡعَۢاۚ بَلۡ كَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرَۢا﴾ [الفتح: 11] ومن النظر في السياقين يتبين ما يأتي: 1- أن الموقف في آية آل عمران إنما هو في قتال المشركين الذين جاؤوا إلى المدينة. وأما الموقف في آية الفتح فهو في الذهاب إلى العمرة، وليس إلى قتال، فالموقف في أحد أشد والخطر أظهر. 2- أن القول في آيات آل عمران أعظم وأكبر مما في الفتح فإنهم قالوا: ﴿لَوۡ نَعۡلَمُ قِتَالٗا لَّٱتَّبَعۡنَٰكُمۡۗ﴾ فهم كانوا مُصرين على عدم المشاركة في القتال، راضين بقعودهم، ولم يكتفوا بذلك بل كانوا يخذّلون غيرهم ويُزينون لهم القعود، فقد قال عنهم سبحانه إنهم قالوا لإخوانهم: ﴿لَوۡ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُواْۗ﴾، فهم لم يندموا بل كانوا يرون ذلك من بُعد النظر. وأما المُخلفون الذين ذُكروا في سورة الفتح فإنهم قالوا: ﴿شَغَلَتۡنَآ أَمۡوَٰلُنَا وَأَهۡلُونَا فَٱسۡتَغۡفِرۡ لَنَاۚ﴾ فاعتذروا عن عدم الذهاب إلى العُمرة بالشغل، وأنهم طلبوا الاستغفار من الرسول، فهم أظهروا للرسول أنهم مُقصرون وأنهم مذنبون فطلبوا الاستغفار وأنه كان لهم عذر. ولم يظهر الأولون ذلك بل كانوا راضين بما فعلوا مُخذلين لغيرهم غير نادمين ولا طالبين لمغفرة. فقول أصحاب أُحد أكبر وأعظم وموقفهم أخطر فناسب أن يُذكر فيهم ما هو أكبر وهو الأفواه، وناسب ذكر الألسنة في آية الفتح. (أسئلة بيانية في القرآن الكريم - الجزء الأول – صـ 40، 41)

ﵟ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا ۚ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا ۖ قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ ۗ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ ۚ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ۗ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ ﵞ سورة آل عمران - 167

ﵟ سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا ۚ يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ۚ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا ۚ بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ﵞ سورة الفتح - 11


Icon