الوقفات التدبرية

قال تعالى في سورة الأعراف: ﴿قَالَ يَٰمُوسَىٰٓ إِنِّي...

قال تعالى في سورة الأعراف: ﴿قَالَ يَٰمُوسَىٰٓ إِنِّي ٱصۡطَفَيۡتُكَ عَلَى ٱلنَّاسِ بِرِسَٰلَٰتِي وَبِكَلَٰمِي فَخُذۡ مَآ ءَاتَيۡتُكَ وَكُن مِّنَ ٱلشَّٰكِرِينَ١٤٤ وَكَتَبۡنَا لَهُۥ فِي ٱلۡأَلۡوَاحِ مِن كُلِّ شَيۡءٖ مَّوۡعِظَةٗ وَتَفۡصِيلٗا لِّكُلِّ شَيۡءٖ فَخُذۡهَا بِقُوَّةٖ وَأۡمُرۡ قَوۡمَكَ يَأۡخُذُواْ بِأَحۡسَنِهَاۚ سَأُوْرِيكُمۡ دَارَ ٱلۡفَٰسِقِين﴾ ﴿144(137) 145(138)﴾. سؤال: لماذا قال في الآية الأولى: ﴿فَخُذۡ مَآ ءَاتَيۡتُكَ﴾، وقال في الآية التالية لها: ﴿فَخُذۡهَا بِقُوَّةٖ﴾ فذكر القوة ولم يذكرها في الآية الأولى؟ الجواب: إن ذلك لعدة أمور منها: 1- أن الآية الأولى في الإيتاء، والثانية في الإيتاء والتبليغ، فقد أمره في الآية الثانية أن يأخذ ما آتاه بقوة، ويُبلغه قومه، فقد قال له فيها: ﴿وَأۡمُرۡ قَوۡمَكَ يَأۡخُذُواْ بِأَحۡسَنِهَاۚ﴾، وهذا أمر بالتبليغ، والتبليغ يحتاج إلى قوة وجهد وعزيمة. 2- إنه طلب من قومه في الآية الثانية أن يأخذوا بأحسنها، فإنه لم يقل: (وأمر قومك يأخذوا بها) بل قال: ﴿يَأۡخُذُواْ بِأَحۡسَنِهَاۚ﴾ وهو أقوى من عموم الأخذ وآكد، ذلك أن فيما آتاه حسنًا وأحسن فأمرهم أن يأخذوا بالأحسن، فإذا كان قومه مأمورين بما هو أقوى وآكد ناسب أن يكون هو كذلك، فكان مأمورًا أن يأخذها بقوة. 3- إن في الآية الثانية تفصيلًا ليس في الآية الأولى. فإنه قال في الآية الأولى: ﴿فَخُذۡ مَآ ءَاتَيۡتُكَ﴾، فقال: ﴿مَآ ءَاتَيۡتُكَ﴾ على الإجمال. وفصّل في الآية الثانية ما آتاه، فقال: ﴿وَكَتَبۡنَا لَهُۥ فِي ٱلۡأَلۡوَاحِ مِن كُلِّ شَيۡءٖ مَّوۡعِظَةٗ وَتَفۡصِيلٗا لِّكُلِّ شَيۡءٖ﴾ وأجمل في الطلب في الآية الأولى، فقال: ﴿فَخُذۡ مَآ ءَاتَيۡتُكَ﴾، وفصّل في الآية الثانية ما أجمله في الآية الأولى من الطلب، فقال: ﴿فَخُذۡهَا بِقُوَّةٖ وَأۡمُرۡ قَوۡمَكَ يَأۡخُذُواْ بِأَحۡسَنِهَاۚ﴾. فكما أجمل في ذكر ما آتاه في الآية الأولى أجمل في الأمر بأخذها، وكما فصّل في ذكر ما آتاه في الآية الثانية فصل وبيّن في الأمر بأخذه، فناسب الإجمال الإجمال، والتفصيل التفصيل. 4- ومما حسّن ذلك أيضًا إضافة إلى ما ذكرنا أن الآية الأولى وردت عقب إفاقة موسى بعدما خرّ صعقًا، فقد جاءت الآية الأولى عقب قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُۥ لِلۡجَبَلِ جَعَلَهُۥ دَكّٗا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقٗاۚ فَلَمَّآ أَفَاقَ قَالَ سُبۡحَٰنَكَ تُبۡتُ إِلَيۡكَ وَأَنَا۠ أَوَّلُ ٱلۡمُؤۡمِنِين﴾ (143). والإنسان بعدما يفيق من صعقة يصعقها يكون واهن القوى. وقد ذكر قبل الآية الأولى أكثر من أمر يدعو إلى وهن القوة، فقد ذكر أنه أي قد هوى وسقط، والخرور مدعاة إلى الوهن. وذكر أنه ﴿صعق﴾ أي غشي عليه، ومعنى ﴿صعق﴾ في اللغة غُشي عليه وذهب عقله، وأن قوله تعالى: ﴿فَلَمَّآ أَفَاقَ﴾ دليل على الغشي. والصعق مدعاة إلى وهن القوى. فكل من الخرور والصعق يدعو إلى الوهن فكيف إذا اجتمعا؟ فلم يذكر الأخذ بالقوة بعد ذكر الإفاقة مباشرة إذ العادة أن يكون الإنسان واهنًا في مثل هذا الوقت فأخره إلى ما بعد ذلك في الآية الثانية، فنسب كل تعبير موضعه من كل وجه، والله أعلم. (أسئلة بيانية في القرآن الكريم - الجزء الأول – صـ 75: 77)

ﵟ قَالَ يَا مُوسَىٰ إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﵞ سورة الأعراف - 144


Icon