الوقفات التدبرية

قال تعالى في سورة يونس: ﴿وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعۡضَ ٱلَّذِي...

قال تعالى في سورة يونس: ﴿وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعۡضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمۡ أَوۡ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيۡنَا مَرۡجِعُهُمۡ ثُمَّ ٱللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا يَفۡعَلُونَ﴾ (46). وقال في سورة غافر: ﴿فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعۡضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمۡ أَوۡ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيۡنَا يُرۡجَعُونَ﴾ (77). وقال في سورة الرعد: ﴿وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعۡضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمۡ أَوۡ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيۡكَ ٱلۡبَلَٰغُ وَعَلَيۡنَا ٱلۡحِسَابُ﴾ (40). سؤال: لماذا رُسمت ﴿إِمَّا﴾ في آيتي يونس وغافر متصلة، ورُسمت في آية الرعد: ﴿وَإِن مَّا﴾ منفصلة مع أنها كلها في هذه الآيات إنما هي ﴿إن﴾ الشرطية مع ﴿ما﴾ الزائدة المؤكدة؟ الجواب: إن هذا من أمور رسم المصحف، ورسم المصحف لا يُقاس عليه، ولكن مع ذلك قد يبدو أن لهذا الاختلاف تعليلًا ولا ندري إن كان مقصودًا أم لا. فنقول: إن السياق في آيتي يونس وغافر إنما هو في الكلام على الآخرة، والآيتان تذكران الرجوع إلى الله، فقد قال في آية يونس: ﴿فَإِلَيۡنَا مَرۡجِعُهُمۡ ثُمَّ ٱللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا يَفۡعَلُونَ﴾ وقال في آية غافر: ﴿فَإِلَيۡنَا يُرۡجَعُونَ﴾، وهذا الرجوع في الآيتين إنما هو في الآخرة. قال تعالى في يونس: ﴿وَيَوۡمَ يَحۡشُرُهُمۡ كَأَن لَّمۡ يَلۡبَثُوٓاْ إِلَّا سَاعَةٗ مِّنَ ٱلنَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيۡنَهُمۡۚ قَدۡ خَسِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَآءِ ٱللَّهِ وَمَا كَانُواْ مُهۡتَدِينَ٤٥ وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعۡضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمۡ أَوۡ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيۡنَا مَرۡجِعُهُمۡ ثُمَّ ٱللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا يَفۡعَلُونَ٤٦ وَلِكُلِّ أُمَّةٖ رَّسُولٞۖ فَإِذَا جَآءَ رَسُولُهُمۡ قُضِيَ بَيۡنَهُم بِٱلۡقِسۡطِ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُون﴾ (45: 47). فقوله: ﴿فَإِلَيۡنَا مَرۡجِعُهُمۡ﴾ يعني في يوم القيامة، وهو متصل بما ذكره من أمور الآخرة، وواقع فيه. وقال في غافر: ﴿يُصۡرَفُونَ٦٩ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِٱلۡكِتَٰبِ وَبِمَآ أَرۡسَلۡنَا بِهِۦ رُسُلَنَاۖ فَسَوۡفَ يَعۡلَمُونَ٧٠ إِذِ ٱلۡأَغۡلَٰلُ فِيٓ أَعۡنَٰقِهِمۡ وَٱلسَّلَٰسِلُ يُسۡحَبُونَ٧١ فِي ٱلۡحَمِيمِ ثُمَّ فِي ٱلنَّارِ يُسۡجَرُونَ٧٢ ثُمَّ قِيلَ لَهُمۡ أَيۡنَ مَا كُنتُمۡ تُشۡرِكُونَ٧٣ مِن دُونِ ٱللَّهِۖ قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا بَل لَّمۡ نَكُن نَّدۡعُواْ مِن قَبۡلُ شَيۡ‍ٔٗاۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلۡكَٰفِرِينَ٧٤ ذَٰلِكُم بِمَا كُنتُمۡ تَفۡرَحُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّ وَبِمَا كُنتُمۡ تَمۡرَحُونَ٧٥ ٱدۡخُلُوٓاْ أَبۡوَٰبَ جَهَنَّمَ خَٰلِدِينَ فِيهَاۖ فَبِئۡسَ مَثۡوَى ٱلۡمُتَكَبِّرِينَ٧٦ فَٱصۡبِرۡ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞۚ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعۡضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمۡ أَوۡ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيۡنَا يُرۡجَعُون﴾(70 :77) فالكلام كما ترى في سياق عذاب الآخرة، وقد وقعت الآية في هذا السياق فإن قوله: ﴿فَإِلَيۡنَا يُرۡجَعُون﴾ يعني في الآخرة، وهو متصل بما ذكره من أمور الآخرة. وأما السياق في الرعد فهو في الدنيا، فقد جاء قبل الآية قوله:﴿وَكَذَٰلِكَ أَنزَلۡنَٰهُ حُكۡمًا عَرَبِيّٗاۚ وَلَئِنِ ٱتَّبَعۡتَ أَهۡوَآءَهُم بَعۡدَ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ مَا لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن وَلِيّٖ وَلَا وَاقٖ٣٧ وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلٗا مِّن قَبۡلِكَ وَجَعَلۡنَا لَهُمۡ أَزۡوَٰجٗا وَذُرِّيَّةٗۚ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأۡتِيَ بِ‍َٔايَةٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ لِكُلِّ أَجَلٖ كِتَابٞ٣٨ يَمۡحُواْ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثۡبِتُۖ وَعِندَهُۥٓ أُمُّ ٱلۡكِتَٰبِ٣٩ وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ . . . ﴾ ﴿37 :40﴾. وجاء بعدها قوله: ﴿أَوَ لَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّا نَأۡتِي ٱلۡأَرۡضَ نَنقُصُهَا مِنۡ أَطۡرَافِهَاۚ وَٱللَّهُ يَحۡكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكۡمِهِۦۚ وَهُوَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ﴾ (41). فقوله: ﴿وَعَلَيۡنَا ٱلۡحِسَابُ﴾ إنما هو في الآخرة، فهو يذكر أمرًا سيقع في الآخرة، والكلام إنما هو على الدنيا بخلاف آيتي يونس وغافر فإنهما في سياق الآخرة. ففُصِلت ﴿ما﴾ عن ﴿إن﴾ في الرعد إشارة إلى الفصل بين الأحداث، فالكلام على الدنيا والحساب إنما هو في الآخرة. ووصلت ﴿ما﴾ بـ ﴿إن﴾ في آيتي يونس وغافر إشارة إلى أن الأحداث متصلة ببعضها، والله أعلم. (أسئلة بيانية في القرآن الكريم - الجزء الأول – صـ 83: 85)

ﵟ وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ ﵞ سورة يونس - 46

ﵟ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۚ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ ﵞ سورة غافر - 77

ﵟ وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ ﵞ سورة الرعد - 40


Icon