الوقفات التدبرية

قال تعالى في سورة طه: ﴿فَٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحۡ...

قال تعالى في سورة طه: ﴿فَٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ قَبۡلَ طُلُوعِ ٱلشَّمۡسِ وَقَبۡلَ غُرُوبِهَاۖ وَمِنۡ ءَانَآيِٕ ٱلَّيۡلِ فَسَبِّحۡ وَأَطۡرَافَ ٱلنَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرۡضَىٰ١٣٠ وَلَا تَمُدَّنَّ عَيۡنَيۡكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعۡنَا بِهِۦٓ أَزۡوَٰجٗا مِّنۡهُمۡ زَهۡرَةَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا لِنَفۡتِنَهُمۡ فِيهِۚ وَرِزۡقُ رَبِّكَ خَيۡرٞ وَأَبۡقَىٰ﴾ (130 – 131). وقال في سورة ق: ﴿فَٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ قَبۡلَ طُلُوعِ ٱلشَّمۡسِ وَقَبۡلَ ٱلۡغُرُوبِ٣٩ وَمِنَ ٱلَّيۡلِ فَسَبِّحۡهُ وَأَدۡبَٰرَ ٱلسُّجُودِ٤٠﴾ ﴿39-40﴾ سؤال: 1 - لماذا قال آية ﴿طه﴾: ﴿وَقَبۡلَ غُرُوبِهَا﴾ وقال في آية (ق): ﴿وَقَبۡلَ ٱلۡغُرُوبِ﴾؟ 2 – ولماذا قال في طه: ﴿وَمِنۡ ءَانَآيِٕ ٱلَّيۡلِ فَسَبِّحۡ ٰ﴾، بإطلاق التسبيح، وقال في ق: ﴿وَمِنَ ٱلَّيۡلِ فَسَبِّحۡهُ﴾ بتخصيص التسبيح لله وذلك بذكر ضميره؟ الجواب: 1 – بالنسبة إلى السؤال الأول فإن قوله في آية طه: ﴿وَقَبۡلَ غُرُوبِهَا﴾ تنصيص على غروب الشمس، وذلك بذكر الضمير الذي يعود عليها. وأما قوله في ق: ﴿وَقَبۡلَ ٱلۡغُرُوبِ﴾ فإنه يدل على غروب الشمس بدلالة السياق، قيل على تقدير ضمير أو على قول من يرى أن ﴿أل﴾ عوض عن الضمير، وذكروا منه قوله تعالى: ﴿وَأَمَّا مَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ وَنَهَى ٱلنَّفۡسَ عَنِ ٱلۡهَوَىٰ٤٠ فَإِنَّ ٱلۡجَنَّةَ هِيَ ٱلۡمَأۡوَىٰ٤١﴾ (النازعات :41) أي: مأواه أو المأوى له. فكأنه أخرج ﴿الغروب﴾ في (ق) مخرج العموم، وإن أريد به الخصوص. وكل تعبير مناسب للسياق الذي ورد فيه. فإن السياق في ﴿طه﴾ أُخرج مخرج الخصوص، كما أنه ألصق بالشمس، أما السياق في (ق) فقد أُخرج مخرج العموم وهو أبعد عن الشمس. أما من حيث العموم في (ق) فمن ذلك ما ذكرناه في قوله: ﴿وَقَبۡلَ ٱلۡغُرُوبِ﴾ من أنه أخرج مخرج العموم وإن كان الكلام على الخصوص تقديراً. ومنه أنه قال في طه: ﴿وَمِنۡ ءَانَآيِٕ ٱلَّليۡلِ﴾ وقال في ق: ﴿وَمِنَ ٱلَّليۡلِ﴾. وآناء الليل ساعاته، ولا شك أن ﴿الليل﴾ أعم من ساعات الليل، فكان الكلام في (ق) أُخرج مخرج العموم. وأما من حيث إن السياق في طه ألصق بالشمس فإنه قال فيهما: ﴿وَأَطۡرَافَ ٱلنَّهَار﴾ وقوله: ﴿وَأَطۡرَافَ ٱلنَّهَار﴾ له علاقة بالشمس شروقها وزوالها عند الظهيرة وغروبها، ويكفي ذكر ﴿النهار﴾ الذي آيته الشمس. وأما في ق فلم يذكر أمراً يتعلق بالشمس ولا بالنهار، فقد قال: ﴿وَأَدۡبَٰرَ ٱلسُّجُودِ﴾ وهذا ليس له علاقة بالشمس ولا بالنهار. فكان ذكر ضمير الشمس في ﴿طه﴾ أنسب مع السياق من ناحيتين: ناحية الخصوص، وناحية ماله علاقة بالشمس وهو أطراف النهار. هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى أن السياق في طه بعد ذلك عن الدنيا والحياة الدنيا والرزق ، فقد قال بعد الآية ﴿وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى١٣١﴾ [طه: 131] وأما السياق في (ق) بعد الآية ففي الآخرة ، فقد قال بعد الآية : ﴿وَٱسۡتَمِعۡ يَوۡمَ يُنَادِ ٱلۡمُنَادِ مِن مَّكَانٖ قَرِيبٖ٤١ يَوۡمَ يَسۡمَعُونَ ٱلصَّيۡحَةَ بِٱلۡحَقِّۚ ذَٰلِكَ يَوۡمُ ٱلۡخُرُوجِ٤٢ إِنَّا نَحۡنُ نُحۡيِۦ وَنُمِيتُ وَإِلَيۡنَا ٱلۡمَصِيرُ٤٣ يَوۡمَ تَشَقَّقُ ٱلۡأَرۡضُ عَنۡهُمۡ سِرَاعٗاۚ ذَٰلِكَ حَشۡرٌ عَلَيۡنَا يَسِيرٞ٤٤﴾ ﴿41 – 44 ﴾. فناسب فيها ذكر الغروب على العموم وهو غروب الشمس وذهابها وزوالها وغروب كل شيء مما يتعلق بأمر الدنيا من الكواكب والنجوم والشمس والقمر، فإخراجه مخرج العموم أنسب في (ق). هذا إن ذكر الآخرة بعد قوله: ﴿وَأَدۡبَٰرَ ٱلسُّجُود﴾ من لطيف المناسبات، ذلك أن الآخرة ستكون أدبار السجود حيث لا يكون في الدنيا رجل يقول: ﴿لا إله إلا الله﴾ وليس فيها رجل ساجد. فكان كل تعبير في مكانه هو المناسب من كل ناحية، إضافة إلى فاصلة الآية. 2 – وأما الجواب عن السؤال الثاني فإنه أمَره في (ق) بنوعين من التسبيح: 1 – التسبيح بحمد ربه. 2 – تسبيح الله نفسه وذلك أنه قال: ﴿فَسَبِّحۡه﴾ أي: فسبّح الله، أو فسبح ربك، كما قال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا٤١ وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا٤٢﴾ [الأحزاب: 41-42]، ذلك أنه قال فيها: ﴿وَأَدۡبَٰرَ ٱلسُّجُود﴾ ومعلوم أنه بعد السجود يُسَنّ للمصلي أن يُسبح الله فيقول: ﴿سبحان الله﴾ ثلاثاً وثلاثين مرة. فناسب تسبيح الله أدبار السجود. ولما لم يرد في ﴿طه﴾ نحو ذلك أطلق التسبيح فقال: ﴿فَسَبِّحۡ﴾ وحذف المتعلق ليشمل عموم التسبيح، والله أعلم. (أسئلة بيانية في القرآن الكريم - الجزء الأول – صـ 126: 129)

ﵟ فَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا ۖ وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَىٰ ﵞ سورة طه - 130


Icon