الوقفات التدبرية

قال تعالى ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ...

قال تعالى ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا٧٢﴾ [الأحزاب: 72]. سؤال: لماذا ذكر الجبال بعد الأرض وهي جزء منها؟ الجواب: إن هذا من باب عطف الخاص على العام، وذلك لعظم خلقها فهي أعظم ما في الأرض. وهذا النوع من العطف غير عزيز في اللغة، فإنه يعطف الخاص على العام لأهمية المعطوف، وذلك نحو قوله تعالى: ﴿حَٰفِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَٰتِ وَٱلصَّلَوٰةِ ٱلۡوُسۡطَىٰ﴾ (البقرة: 238)، فعطف الصلاة الوسطى على الصلوات وذلك لأهمية الحفاظ على هذه الصلاة. ونحو قوله تعالى: ﴿مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ٩٨﴾ [البقرة: 98]، فعطف جبريل وميكال وهما من الملائكة وذلك لعظيم منزلتهما عند الله. ثم إن الجبال ليست خاصة بالأرض فهي موجودة في قسم من الأجرام السماوية، وعلى هذا فإن ذكرها أفاد ما لم يُفده ذكر الأرض، فربما عرض الله الأمانة على السنوات والأرض وعلى الجبال أينما كانت سواء كانت في الأرض أم في غيرها. ثم إن ذكرها بعد ذكر الأرض فيه إشارة إلى أمر آخر لطيف، وذلك أن إنما هي رواسي للأرض لئلا تميد بنا، قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ﴾ [الأنبياء: 31]، ﴿وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ﴾ [النحل: 15]. وهذه الأمانة كالجبال رواس ٍللإنسان تثبته لئلا تميد به الأهواء وتعصف به الشهوات، بل هي تُثبته في الدنيا والأخرة، كما قال تعالى: ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ﴾ [إبراهيم: 27]، وهي أدوم من الأرض والجبال؛ بل هي أدوم من السماوات، فإن الأرض ستزول والجبال ستُنسف والسماوات ستُبدل، أما هذه الأمانة فإنها باقية تثبته في الحياة الدنيا، وتُثبته في الآخرة، وتُثبته على الصراط لئلا يسقط في جهنم. فذكر الجبال ههنا بعد ذكر الأرض من لطيف المناسبات. (أسئلة بيانية في القرآن الكريم - الجزء الأول – صـ 148، 149)

ﵟ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﵞ سورة الأحزاب - 72


Icon