الوقفات التدبرية

برنامج لمسات بيانية *لماذا جاءت كلة الصابئون مرفوعة في الآية {69}في...

برنامج لمسات بيانية *لماذا جاءت كلة الصابئون مرفوعة في الآية {69}في سورة المائدةومنصوبة فى آية الحج(17)؟ د.فاضل السامرائى: قاعدة نحوية: العطف على اسم إنّ يجب أن يكون بالنصب ولكن قد يُعطف بالرفع وليس فيه إشكال. وكلمة الصابئون معطوف بالرفع على منصوب ليس فيها إشكال كما في قوله تعالى في سورة التوبة (أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ {3}) فهي جائزة من الناحية النحوية والعطف بالرفع على منصوب وارد في النحو. وفي آية سورة المائدة إنّ تفيد التوكيد عندما تذكر أمر مرفوع بمعنى أنه ليس على إرادة التوكيد (الصابئون) ليست على إرادة التوكيد بإنّ. والصابئون معناها غيرمؤكد وعلى غير إرادة إنّ، ولو أراد إنّ لنصب كلمة (الصابئون). إذن لماذا لم ينصب الصابئون؟ لأن من بين المذكورن في الآية الصابئون هم أبعدهم عن الإيمان. إذن فلماذا قدّمهم على النصارى؟ ليس بالضرورة أن يكون التقديم للأفضل ولكن التقديم هنا لمقتضى السياق. فالسياق في سورة المائدة هو ذمّ عقائد النصارى وأنهم كفروا بالله الواحد وجعلوا له شركاء ولهذا قدّم الصابئون على النصارى لكن رفعها للدلالة على أنهم (الصابئون) أبعد المذكورين في الضلال ولأنهم أقلّ منزلة، وكأن النصارى أشد حالاً من الصابئين لكن بما أنهم أهل كتاب عطفهم على إسم إنّ بالنصب. وكلمة الصابئون تُعرب على أنها مبتدأ وقد تكون اعتراضية وخبرها محذوف بمعنى (والصابئون كذلك)، أما كلمة النصارى فهي معطوفة على ما قبلها. لماذا إذن في سورة الحج (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ {17}) قال (الصابئين) منصوبة وقدمهم على النصارى؟ السياق في سورة الحج موقف قضاء والله تعالى لا يجوز أن يفصل بين المتخاصمين ﴿وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل﴾ ولا يمكن له سبحانه أن يُفرّق بينهم ما داموا في طور الفصل (لذا جاءت الآسماء كلها منصوبة بإنّ) فالمتخاصمين إذن يجب أن يكونوا سواء أمام القاضي. والعجيب في هذا قوله تعالى ﴿إن الله يفصل بينهم﴾ وفي آية أخرى في سورة السجدة (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ {25}) لأنه هنا ربنا سبحانه وتعالى جعل الذين آمنوا من جملة المتخاصمين فلم يقل ﴿ربك﴾ حتى لا ينحاز للمؤمنين وإنما جاء بالإسم الأعمّ وهو ﴿الله﴾. وفي آية سورة السجدة ليس فيما قبلهاجماعة من جماعة المؤمنين. والإختيار هنا ليس للقضاء فقط وإنما هناك أمر آخر وهو السِمة اللفظية، فكلمة ﴿ربك﴾ وردت في سورة الحج ثلاث مرات ووردت في السجدة عشر مرات، وكلمة ﴿الله﴾ وردت 76 مرة في سورة الحج ومرة واحدة في سورة السجدة لذا اقتضى أن يأتي بكلمة ﴿ربك﴾ في سورة السجدة وكلمة ﴿الله﴾ في سورة الحج. حتى أنه في آية سورة الحج لم يأت بـ ﴿هو﴾ ﴿إن الله يفصل بينهم﴾ وجاء بها في آية سورة السجدة ﴿إن ربك هو يفصل بينهم﴾ لأن خاتمة آية سورة السجدة ﴿فيما كانوا فيه يختلفون﴾ وخاتمة آية سورة الحج ﴿إن الله على كل شيء شهيد﴾ والإختلاف هو مظنّة الفصل لذا جاء بـ ﴿هو﴾ في آية سورة السجدة ولا يوجد اختلاف في آية سورة الحج. *ما الفرق بين الحكم والفصل في القرآن الكريم؟(د.فاضل السامرائى) الحكم القضاء والفصل أشد لأنه يكون بَوْن أحدهما، أن يكون بينهما فاصل حاجز إذن الفصل أشد فإذن لما يقول في القرآن يفصل بينهم تكون المسافة أبعد كأن يذهب أحدهم إلى الجنة والآخر إلى النار أما الحكم فلا وقد يكون في ملة واحدة، نضرب أمثلة: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113) البقرة) هؤلاء يذهبون معاً إلى جهة واحدة اليهود والنصارى كلاهما ليس أحدهما إلى الجنة والآخر إلى النار فليس فيه فصل. (إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (124) النحل) اختلاف في ملة واحدة وهم اليهود، وكلهم يذهبون معاً إلى جهة واحدة مع بعض. (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (3) الزمر) كلهم يذهبون إلى جهة واحدة. (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (17) الحج) هؤلاء لا يذهبون إلى جهة واحدة فهم فئات مختلفة إذن يفصل. الفصل يتضمن الحكم حكم وفصل فيكون أشد. ولذلك قال المفسرون في قوله تعالى (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (25) السجدة) قالوا الفصل بين الأنبياء وأممهم وبين المؤمنين والمشركين. فإذن الفصل حكم لكن فيه بَوْن كل جهة تذهب إلى مكان لذا قال في سورة ص (خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ (22)) هذا حكم قضاء.

ﵟ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَىٰ وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﵞ سورة الحج - 17

ﵟ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَىٰ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﵞ سورة المائدة - 69


Icon