الوقفات التدبرية

قال تعالي في سورة النمل : { يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا...

قال تعالي في سورة النمل : ﴿ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [ النمل : 18 ] . سؤال : ذكر أنه جمع في هذه الآية أوجها بلاغية متعددة , فما هي ؟ الجواب : ذكر أنه في هذه الآية أحد عشر جنسا من الكلام : نادت , وكنت , ونبهت , وسمت , وأمرت , وقضت , وحذرت , وخصت , وعمت , وأشارت , وأعذرت . فالنداء : ﴿ يا ﴾ , والكناية : ﴿ أي ﴾ , والتنبيه : ﴿ ها ﴾ , والتسمية : ﴿ النمل ﴾ , والأمر : ﴿ ادخلوا ﴾ , والقصص : ﴿ مساكنكم ﴾ , والتحذير : ﴿ لا يحطمنكم ﴾ , والتخصيص ﴿ سليمان ﴾ , والتعميم : ﴿ جنوده ﴾ , والاشارة : ﴿ وهم ﴾ , والعذر : ﴿ لا يشعرون ﴾ . فائدة خمسة حقوق : حق الله , وحق رسوله , وحقها , وحق رعيتها , وحق جنود سليمان . فحق الله أنها استرعيت علي النمل , فقامت بحقهم . وحق سليمان أنها نبهته علي النمل . وحقها إسقاطها حق الله علي الجنود في نصحهم . وحق الجنود بنصحها لهم ؛ ليدخلوا مساكنهم . وحق الجنود إعلامها إياهم وجميع الخلق أن من استرعاه رعية , فوجب عليه حفظها والذب عنها , وهو داخل في الخبر المشهور : " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته " . وفيها غير ما ذكر أيضا , فهي نهت وبالغت وأكدت ونفت . فالنهي قوله ﴿ لا يحطمنكم ﴾ , والمبالغة أنها أسندت النهي إلي سليمان , والمقصود الجنود , أي : لا تدعوا سليمان يحطمكم , والتوكيد بالنون الثقيلة , والنفي : ﴿ لا يشعرون ﴾ . وهناك غير ذلك أيضا . فقد نادت بقولها : ﴿ يا أيها النمل ﴾ وليس بـ ( يا نمل ) , فجاء بـ ﴿ أيها ﴾ بـ ﴿ أي ﴾ و ﴿ ها ﴾ للتنبيه ؛ لئلا يفوت شئ من كلامها , وليسمع من كان منشغلا , وذلك لأهمية تحذيرها . وجاء بـ ﴿ يا ﴾ لنداء البعيد . ولم يحذف حرف النداء ؛ ليصل صوتها ونداؤها إلي من كان بعيدا عنها , ولئلا يفوت المهم إذا حذف حرف النداء . وقدمت النداء علي قولها : ﴿ ادخلوا مساكنكم ﴾ ؛ لئلا يفوت الأهم من الكلام , وهم منشغلون منهمكون في العمل غير متوقعين , أو عالمين بما يحدث . وقالت : ﴿ ادخلوا ﴾ بخطاب العقلاء الذي دلت عليه واو الجماعة , ولم تقل : ﴿ ادخلن ﴾ أو ﴿ ادخلي ﴾ . وقالت : ﴿ مساكنكم ﴾ أي : ليستقر كل واحد في مسكنه , وبالاضافة إلي ضمير العقلاء . وذكرت ﴿ سليمان ﴾ باسمه العلم ؛ إشارة إلي أنها عارفة به , ولم تذكر صفته أي الملك . وذكرت الجنود وأضافتهم إلي سليمان , ولم تقل : ( والجنود ) . وقالت : ﴿ وهم لا يشعرون ﴾ فنفت عنهم الشعور , وفيها ادب الحديث . جاء في ( روح المعاني ) : ”وأيا ما كان , ففي تقييد الحطم بعدم الشعور بمكانهم , المشعر بانه لو شعروا بذلك لم يحطموا , ما يشعر بغاية ادب النملة مع سليمان – عليه السلام – وجنوده " . وذكر في الحطم إعجاز علمي , والله اعلم . (أسئلة بيانية في القرآن الكريم الجزء الثاني ص : 88)

ﵟ حَتَّىٰ إِذَا أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﵞ سورة النمل - 18


Icon