الوقفات التدبرية

قال تعالي في سورة الجاثية : { وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ [7]...

قال تعالي في سورة الجاثية : { وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ [7] يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [8] وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئاً اتَّخَذَهَا هُزُواً أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ [9] مِن وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلَا يُغْنِي عَنْهُم مَّا كَسَبُوا شَيْئاً وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [10] هَذَا هُدًى وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مَّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ } [ الجاثية : 7 – 11 ] . سؤال : ما علاقة اختيار كل فاصلة بسياقها ؟ الجواب : : الأفاك : الكثير الكذب , والذي ينصرف من الحق إلي الباطل . الأثيم : الكثير الإثم المبالغ فيه . الرجز : : القذر مثل الرجس , والرجز هو العذاب المقلقل لشدته وله قلقلة متتابعة , والرجز كالزلزلة . فذكر في الآية الأولي - أي السابعة – صفة من يستحق العذاب , بأنه أفاك كثير الكذب , وينصرف من الحق إلي الباطل , وأنه كثير الإثم مبالغ فيه . وبين له صفة اخري , وهي أنه يسمع آيات الله تتلي عليه , ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها إلي بقية الصفات الأخري المذكورة في الآيات بعدها . ولما ذكر في الآية الثامنة أنه يصر مستكبرا كأنه لم يسمع الآيات , قال : ﴿ فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ ﴾ لعله يسمع هذه البشري , فقال : ﴿ فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ أي أسمعه هذه البشري , وهي العذاب الأليم , وهذه العذاب الأليم يقمع استكباره الكاذب . وهذه البشري استهزاء به يليق باستكباره , والجزاء من جنس العمل . وقال في الآية بعدها : ﴿ وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئاً اتَّخَذَهَا هُزُواً أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ ﴾ [ الجاثية : 9 ] , والعذاب المهين مناسب لاستهانته واستهزائه بآيات الله . والعذاب المهين هو المشتمل علي الاذلال والفضيحة . جاء في ( روح المعاني ) : " وصف العذاب بالاهانة توفية لحق استكبارهم واستهزائهم بآيات الله عزوجل " . وهذا العذاب المهين إنما هو واقع في الدنيا والآخرة فعذاب الدنيا بالقتل والاسر , ولهم عذاب مهين في الآخرة , يدل علي ذلك قوله سبحانه : ﴿ مِن وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلَا يُغْنِي عَنْهُم مَّا كَسَبُوا شَيْئاً ﴾ , وقال في الآية بعدها : ﴿ مِن وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلَا يُغْنِي عَنْهُم مَّا كَسَبُوا شَيْئاً وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ . فذكر أن لهم عذابا عظيما وهو أشد العذاب . وهو – كما قيل – لا يدع جهة من جهاتهم , ولا زمانا من أزمانهم , ولا عضوا من أعضائهم إلا ملأه ؛ ذلك أنها في المشركين الذين اتخذوا من دون الله أولياء , وهي الأصنام والمعبودات الباطلة . ولما كان هؤلاء مشركين ؛ استحقوا أشد العذاب وأعظمه , فناسب العذاب وصفهم . ثم قال بعدها : ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مَّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ ﴾ . وهو العذاب المقلقل لشدته , وله قلقلة شديدة متتابعة . والرجز هنا كالزلزلة ؛ أي ولهم عذاب من الرجس والقذارة بليغ الايلام متتابع , ذلك أنهم كفروا بآيات ربهم , والآيات متتابعة والرجز متتابع . ولما خصص الكفر بآيات ربهم خصص العذاب بأنه من رجز . ولما كانت الآيات متتابعة كان العذاب متتابعا .فما أجل هذه المناسبات وأعظمها ! (أسئلة بيانية في القرآن الكريم الجزء الثاني ص : 100)

ﵟ وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ﵞ سورة الجاثية - 7


Icon