الوقفات التدبرية

﴿ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۚ وَعَلَى ٱللَّهِ...

﴿ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ١٣﴾ [التغابن: 13] * * * بعد أن ذكر أن الله خلق السماوات والأرض وخلق الإنسان وذكر علمه بكل شيء وأنه على كل شيء قدير، وذكر عقوبة من كفر من الأمم السابقة، وأنه ما أصابت مصيبة إلا بإذن الله؛ بيّن أنه لا إله إلا هو. فالذي فعل كل ذلك إنما هو الإله الحق وأنه لا إله غيره. وأنه عليه فليعتمد المؤمنون ويفوضوا أمرهم إليه. وقدم الجار والمجرور ﴿عليه﴾ للحصر فلا يعتمد على غيره. جاء في (روح المعاني): ((﴿وَعَلَى ٱللَّهِ﴾ أي: عليه تعالى خاصة دون غيره لا استقلالًا ولا اشتراكًا. ﴿فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ﴾ وإظهار الجلالة في موقع الإضمار للإشعار بعلة التوكل أو الأمر به)). وأطلق التوكل ولم يقيده بأمر؛ ليدل على أن التوكل عليه في جميع الأمور جليلها وحقيرها. جاء في (روح المعاني): ((وحذف متعلق التوكل ليفيد العموم، أي: ليتوكل عليه عز شأنه في جميع أمورهم؛ جليلها وحقيرها، سهلها وحزنها)). إن هذه الآية في سياقها كقوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ غَيۡبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَإِلَيۡهِ يُرۡجَعُ ٱلۡأَمۡرُ كُلُّهُۥ فَٱعۡبُدۡهُ وَتَوَكَّلۡ عَلَيۡهِۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ١٢٣﴾ [هود: 123]. فقوله: ﴿وَلِلَّهِ غَيۡبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ﴾ في هود، نظير قوله في التغابن: ﴿يَعۡلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَيَعۡلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعۡلِنُونَۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ٤﴾ وقوله: ﴿وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ١١﴾. وقوله في آية هود: ﴿وَإِلَيۡهِ يُرۡجَعُ ٱلۡأَمۡرُ كُلُّهُۥ﴾ نظير قوله: ﴿مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ﴾(الآية: 11) وقوله: ﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۖ لَهُ ٱلۡمُلۡكُ وَلَهُ ٱلۡحَمۡدُۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ١﴾. فالذي له الملك هو الذي يرجع إليه الأمر كله. وقوله: ﴿فَٱعۡبُدۡهُ﴾ مناسب لقوله في التغابن: ﴿لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۚ﴾. وقوله: ﴿وَتَوَكَّلۡ عَلَيۡهِۚ﴾ مناسب لقوله: ﴿وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ﴾. وجاء في (تفسير ابن كثير) في قوله: ﴿لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ﴾ ((فالأول خبر عن التوحيد، معناه: الطلب، أي: وحدوا الإلهية له وأخلصوها لديه وتوكلوا عليه، كما قال تعالى: ﴿رَّبُّ ٱلۡمَشۡرِقِ وَٱلۡمَغۡرِبِ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَٱتَّخِذۡهُ وَكِيلٗا٩﴾ [المزمل: 9]. (من كتاب: قبسات من البيان القرآني للدكتور فاضل السامرائي- صـ 212: 214)

ﵟ اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﵞ سورة التغابن - 13


Icon