الوقفات التدبرية

﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ مِنۡ أَزۡوَٰجِكُمۡ...

﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ مِنۡ أَزۡوَٰجِكُمۡ وَأَوۡلَٰدِكُمۡ عَدُوّٗا لَّكُمۡ فَٱحۡذَرُوهُمۡۚ وَإِن تَعۡفُواْ وَتَصۡفَحُواْ وَتَغۡفِرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ١٤﴾ * * * إن من الأزواج من يعادين أزواجهن ويجلبن عليهم ويخاصمنهم، ومن الأولاد من يعقون آباءهم ويخاصمونهم ويؤذونهم. ففي مثل هذه الحالات تكون الأزواج أعداء لأزواجهن، والأولاد أعداء لآبائهم. وقد تكون الأزواج والأولاد ملهاة عن العمل الصالح. وقد يحملونهم على ترك الواجبات وارتكاب المحظورات، وذلك لحبهم لهم والشفقة عليهم، وفي مثل هذه الحالات يكون الأولاد أعداء لآبائهم، والأزواج أعداء لأزواجهن من هذه الناحية. وقد ناسبت هذه الآية ما قبلها من هاتين الناحيتين. فمن الناحية الأولى، وهي حالات الخصومة والأذى، وناسب ذلك ما تقدم من قوله تعالى: ﴿مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ﴾ [التغابن: 11] فهذه مصيبة من المصائب. وفي الحالة الأخرى يناسب ذلك قوله: ﴿وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَۚ فَإِن تَوَلَّيۡتُمۡ فَإِنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا ٱلۡبَلَٰغُ ٱلۡمُبِينُ١٢ ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ١٣﴾. فعلى المؤمنين أن يطيعوا الله ورسوله، ولا يطيعوا الأزواج والأولاد. وذلك من لطيف التناسب. جاء في (روح المعاني): ((فمن الأزواج أزواجًا يعادين بعولتهن، ويخاصمنهم ويجلبن عليهم. ومن الأولاد أولادًا يعادون آباءهم ويعقونهم ويجرعونهم الغصص والأذى وقد شاهدنا من الأزواج من قتلت زوجها... ومن ومن... وكذا من الأولاد... ومن الناس من يحمله حبهم والشفقة عليهم على أن يكونوا في عيش رغد في حياته وبعد مماته، فيرتكب المحظورات لتحصيل ما يكون سببًا لذلك وإن لم يطلبوه فيهلك)). وجاء في (تفسير ابن كثير) أن ذلك ((بمعنى أنه يلتهي به عن العمل الصالح كقوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُلۡهِكُمۡ أَمۡوَٰلُكُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُكُمۡ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِۚ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ٩﴾ [المنافقون: 9]. ﴿وقيل﴾ يحمل الرجل على قطيعة الرحم، أو معصية ربه فلا يستطيع الرجل مع حبه إلا أن يطيعه)). ﴿وَإِن تَعۡفُواْ وَتَصۡفَحُواْ وَتَغۡفِرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيم﴾. أي: إن تعفوا عن ذنوبهم التي ارتكبوها مما هو في حقكم أو في أمور الدنيا ومما يصح لكم أن تعفوا عنه. وتصفحوا، أي: تعرضوا عن ذلك بترك التثريب واللوم. وتغفروا، أي: تستروها بإخفائها. فإن الله غفور رحيم، يغفر لعباده ذنوبهم مع أنه أولى بالطاعة، رحيم بهم مع إساءتهم ومعصيتهم. وأنتم إن فعلتم ذلك يغفر الله لكم ويرحمكم. فقوله: ﴿فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيم﴾ متعلق بما قبله من جهتين: أنه إذا فعل أزواجكم وأولادكم ما يستوجب العقوبة والتثريب فاعفوا عنهم واغفروا لهم، فإن الله غفور رحيم يغفر لعباده وإن أذنبوا وعصوا ربهم، مع أنه أولى بالطاعة من الآباء. وأنكم إذا فعلتم ذلك فعفوتم وغفرتم فإن الله غفور رحيم، يغفر لكم ويرحمكم، وأنتم أحوج إلى مغفرته ورحمته من أولئك إليكم. (من كتاب: قبسات من البيان القرآني للدكتور فاضل السامرائي- صـ 214: 216)

ﵟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ۚ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﵞ سورة التغابن - 14


Icon